كسر حلقة العقم السياسي في اليمن

كسر حلقة العقم السياسي في اليمن

المغرب اليوم -

كسر حلقة العقم السياسي في اليمن

بقلم : خيرالله خيرالله

هناك أرقام مرعبة صدرت عن منظمات إنسانية دولية عدة على معرفة بما يدور في اليمن. تُجمع هذه المنظمات الإنسانية، من بينها “أنقذوا الأطفال” على أن اليمن يتجه بسرعة نحو الفوضى الشاملة وانهيار آخر مؤسسات الدولة وتحوله إلى دولة فاشلة فعلا، أي دخول مرحلة مع بعد الصوملة التي كان يخشاها الحريصون على اليمن. يبدو البلد الذي يتجاوز عدد سكانه الخمسة وعشرين مليونا مقبلا على كارثة إنسانية تفوق في حجمها الكارثة التي تنتظر سوريا، وهي كارثة يتجاهلها أولئك الذين يعتبرون نفسهم في مواقع المسؤولية. هناك على سبيل المثال وليس الحصر تسعة عشر مليون يمني في حاجة إلى ماء صالحة للشرب. هناك ما يزيد على أربعة عشر مليون يمني لا يحصلون على ما يكفي من غذاء. الأخطر من ذلك كلّه أن جيلا بكامله ضاع بسبب الفقر والمرض وغياب التعليم في بلد لم تعد فيه مدارس ولا نظام تعليمي. هذا الجيل مرشح لأن يكون لقمة سائغة لـ“القاعدة” و“داعش” وكلّ ما هو متفرّع عنهما من منظمات إرهابية.

لا داعي للحديث طويلا عن خطورة “القاعدة” و“داعش” في اليمن. ما ارتكبه الإرهابيون في عدن قبل أيّام قليلة يعطي فكرة عن مدى اختراق هؤلاء للبلد، خصوصا في محافظات معيّنة، من بينها حضرموت وشبوة وأبين وعدن ومأرب. تمثّل الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية التي تشير خصوصا إلى أطفال يموتون بالمئات في كلّ يوم بسبب نقص المياه والغذاء والدواء والعناية الصحيّة عموما، الإطار العام الذي يحيط بالأزمة اليمنية التي باتت في طريق مسدود. يعود ذلك إلى أن ليس ما يشير إلى وجود تسوية سياسية في المدى المنظور، علما أن في استطاعة الأطراف اليمنية إيجاد مخرج للبلد ولأهله إذا تحلّت بالواقعية. كلمة السرّ هي الواقعية. الواقعية تعني قبل أيّ شيء عدم العيش في الأوهام، أيّ نوع من الأوهام.

في مقدّمة الأوهام قدرة أي طرف على تحقيق انتصار عسكري على الأرض. وهذا يقود في طبيعة الأحوال الاعتراف بأنّ لا حلول عسكرية من جهة، وأن أحدا لا يستطيع إلغاء أحد في اليمن من جهة أخرى. ما يمكن عمله عسكريا تحقّق. استطاعت “عاصفة الحزم” ضرب المشروع الإيراني في اليمن أوّلا. كان هذا المشروع يقضي بوضع اليمن كلّه تحت الهيمنة الإيرانية. كان عبدالملك الحوثي يعتقد فعلا أن اليمن صار في جيبه وأنّه يمتلك شرعية حقيقية سماها “الشرعية الثورية” وذلك منذ اليوم الذي استطاع فيه وضع يده على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014، أي قبل ما يزيد على عامين. لم يحسب “أنصار الله” حسابات “عاصفة الحزم” التي عكست شعورا خليجيا بالخطر الذي تشكله اليمن على أمن المنطقة كلّها في حال تحوّلت إلى مستعمرة إيرانية.

تقلصت رقعة الأرض اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون من دون أن يعني ذلك أنهّم صاروا خارج المعادلة اليمنية، علما أن ليس لديهم أي مشروع من أي نوع كان لبناء دولة. لا يزال الحوثيون في صنعاء وفي شمال اليمن. ومازالوا يسيطرون على جزء من تعز بفضل التحالف القائم بينهم وبين الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تبيّن أن انقلاب الإخوان المسلمين عليه في 2011 تسبب في تدمير مؤسسات الدولة والنظام القائم الذي كان يعني أن في الإمكان حكم اليمن من “المركز” الذي هو صنعاء.

هناك واقع جديد في اليمن يفرض البحث عن صيغة جديدة تأخذ في الاعتبار أنّ الماضي مضى من جهة، وأن ليس في الإمكان البناء أيضا على “الشرعية” التي يمثلها الرئيس الانتقالي عبدربه منصور الذي أمضى وقته منذ سلمه علي عبدالله الرئاسة في شباط – فبراير من العام 2012 في تصفية حساباته معه متجاهلا أن “أنصار الله” كانوا المستفيد الوحيد من كل تصرفّاته… في شباط – فبراير المقبل، ستمضي خمس سنوات كاملة على وجود رئيس انتقالي لم يستطع تغيير أيّ شيء على الأرض، بما في ذلك الاستفادة من الإنجازات التي حققتها “عاصفة الحزم” بدءا بتحرير عدن والمكلا، وإيجاد اختراقات في مأرب.

صحيح أن لا وجود حاليا في اليمن لقيادات تاريخية قادرة على اتخاذ قرارات كبيرة، لكنّ الصحيح أيضا أن المأساة الإنسانية لا يمكـن أن تستمرّ إلى ما لا نهاية، نظـرا إلى أن اليمن على أبـواب الخليج وأمنه من أمن الخليج وأمن الخليج من أمن اليمن. لا مفرّ من إيجاد صيغة لليمن تحمي كل اليمنيين وتسمح بالتفرغ للأخطار المحدقة بالبلد والتي تتجاوز الجوع والفقر وانعدام المياه، وصولا إلى العقم السياسي الذي يعاني منه الحوثيون و“الشرعية” في آن. ثمّة من سيعتبر أن التنظير سهل وأنّ الحاجة قبل أيّ شيء إلى خطوات عملية لها ترجمة على الأرض. نعم، هناك خطوات عملية يمكن اتخاذها استنادا إلى ما تم التوصل إليه من اتفاقات في الكويت التي تحملت الكثير من أجل اليمن، بما في ذلك المماحكات الطويلة التي لم يكن من هدف لها سوى الكلام من أجل الكلام كي يبقى “أنصار الله” في صنعاء، وكي يبقى العالم يتعاطى مع ما يسمّى “الشرعية” ورموزها!

هناك حلقة مغلقة لا مفرّ من كسرها. أضافت المبادرة التي خرج بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى ما تمّ التوصل إليه في الكويت، فكرة تقليص صلاحيات عبدربه منصور هادي تمهيدا لوضعه على الرف. هذه بداية لا غنى عنها في حال كان المطلوب التخفيف من قبضة الحوثيين على صنعاء كي تعود عاصمة لدولة اتحادية تتمتع المناطق فيها بلامركزية واسعة بعيدا كل البعد عمّا كان عليه اليمن في زمن علي عبدالله صالح.

من مصلحة دول الخليج العربي والمجتمع الدولي العمل في هذا الاتجاه تفاديا لتعميق المأساة اليمنية التي لا مستفيد منها في المدى البعيد سوى الإرهاب بكلّ أشكاله وأنواعه. الإرهاب الذي ترعاه إيران… والإرهاب الذي تعبّر عنه “القاعدة” و“داعش”. لا يمكن كسر الحلقة المغلقة من دون البحث عن شخصية جامعة، مقبولة من الجميع، تمهّد للبحث عن مخرج بات معروفا ما هي الأسس التي سيقوم عليها. هل من هو مستعد لتقديم تنازلات، أم يبقى اليمن أسير مجموعة اسمها “أنصار الله” تعتقد أنّ التخلّف يمكن أن يحل مشاكل البلد… ومجموعة أخرى اسمها “الشرعية” ترفض الاعتراف بأن أيّامها ولّت، وأن الأحداث تجاوزت كل رموزها، خصوصا بعد عجزها عن تحقيق أي تغيير، ذي طابع عسكري، على الأرض اليمنية منذ أشهر طويلة…

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كسر حلقة العقم السياسي في اليمن كسر حلقة العقم السياسي في اليمن



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:04 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
المغرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 06:44 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 04 فبراير / شباط 2024

GMT 12:48 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب المغربي يتلقي حصة تدريبية خفيفة بعد هزم الأردن

GMT 04:10 2021 الجمعة ,14 أيار / مايو

الروسي حبيب نورمحمدوف يوجه رسالة للمسلمين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib