السهل والصعب في القمة العربية

السهل والصعب في القمة العربية

المغرب اليوم -

السهل والصعب في القمة العربية

يقلم : خيرالله خيرالله

هناك الجانب السهل في القمة العربية… وهناك الجانب الصعب فيها. إذا وضعنا جانبا أنّ القمة التي يستضيفها البحر الميّت تمثل انتصارا كبيرا للأردن بعدما استطاع الملك عبدالله الثاني تأمين حضور كبير للزعماء العرب، بمن في ذلك الملك محمّد السادس، الذي قلما يحضر مثل هذا النوع من القمم، فإن السهل سيكون الاتفاق في شأن كلّ ما له علاقة بالقضية الفلسطينية.

لم يسبق لقمة عربية أن جمعت كل هذا العدد من الزعماء العرب منذ فترة طويلة. لن يتغيّب سوى الزعماء الذين لديهم أسباب صحّية تحول دون حضورهم مثل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد والسلطان قابوس والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. الأكيد أن العاهل الأردني بذل جهودا مضنية للوصول إلى ضمان هذا المستوى من الحضور، لكن ذلك لا يمنع الاعتراف بأنه يبقى هناك الجانب الصعب في القمة.

يتمثل الجانب الصعب في المواضيع المتعلقة بإيران ومشروعها التوسعي المرتكز على إثارة الغرائز المذهبية وعلى الأدوار التي تقوم بها الميليشيات التابعة لها. ما يجعل الأمور أكثر تعقيدا مواقف دول مثل العراق والجزائر ولبنان الذي يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه بعدما أطلق رئيس الجمهورية ميشال عون تصريحات يُفهم منها أنّه يعتبر سلاح “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، مكملا لسلاح الجيش اللبناني.

يزداد الموقف اللبناني حساسية، حتّى لا نقول سذاجة، في ظل إصرار بعضهم على تفسيره الخاص لقضية الموقف من اللاجئين السوريين إلى الأراضي اللبنانية. ينطلق هذا البعض من أن قسما من هؤلاء دخل إلى لبنان “من دون إرادته”، أي غصبا عن السلطة اللبنانية. بدا لأعضاء الوفود الذين كانوا يستمعون إلى ممثل لبنان في الاجتماعات التحضيرية للقمة كما لو أن اللاجئين السوريين جاؤوا إلى البلد بملء إرادتهم وليس هناك من دفعهم إلى الخروج من سوريا بعد اقتلاعهم من أرضهم. في كلّ الأحوال، اضطرت جامعة الدول العربية إلى تصحيح الموقف اللبناني. زادت على نصّ القرار المتعلّق باللاجئين السوريين عبارة “الذين هُجّروا قسرا”، وهذا يعني من باب التوضيح أن هؤلاء أُجبروا على مغادرة مدنهم وقراهم في سوريا… ولم يكن انتقالهم إلى لبنان مجرّد نزهة بين من تسبب بها “حزب الله” الذي يشارك في الحرب التي يخوضها النظام مع الشعب السوري.

هل يمكن للقمة اتخاذ موقف واضح من التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية؟ ثمّة من يعتقد أن ذلك ممكن، وأن تحفظ العراق والجزائر وربما لبنان، لا ينفي وجود أكثرية عربية تعي تماما ماذا يعني أن تكون هناك ميليشيات مذهبية تابعة لإيران تعمل على تمزيق العراق وسوريا ولبنان واليمن وتهدد البحرين…

سيجد الزعماء العرب صيغا لتجاوز الخلاف في شأن التدخلات الإيرانية والحرب على الإرهاب. فالجميع في البحر الميّت يدين الإرهاب. ولكن من الذي يمارس الإرهاب في المنطقة؟ هل “داعش” تنظيم إرهابي يمكن محاربته بواسطة “الحشد الشعبي” الذي يتكوّن من مجموعة ميليشيات تابعة لأحزاب عراقية من نوع معيّن تجمع بينها التبعية لإيران؟

الواضح أن هناك تفاهما في شأن سوريا واليمن. لا حلّ عسكريا في سوريا التي تتنافس فيها كلّ القوى الإقليمية والدولية، فيما لا تزال المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن تشكّل أسسا لتسوية في اليمن حيث استطاعت “عاصفة الحزم” وضع حدّ للمشروع الإيراني. لكن الواضح أيضا أن دول الخليج العربي لن تتهاون حيال كل ما من شأنه الحؤول دون الخروج بموقف لا لبس فيه تجاه الممارسات الإيرانية التي توفّر حاضنة لـ“داعش” وما شابه “داعش”.

نجحت القمة التي استضافها الأردن قبل أن تبدأ. سيكون هناك، للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، أخذ وردّ بين العرب في أجواء شبه معقولة وبحث في قضايا كان هناك دائما من يريد تفادي البحث فيها لسبب أو لآخر. ستكون هناك مصالحات، حتّى لو لم يستطع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الالتزام بتعهداته العربية، خصوصا تجاه دول الخليج. في النهاية، سيظل السؤال المطروح من أقوى من الآخر في العراق؟ هل العبادي أقوى من “الحشد الشعبي” الذي صار مؤسسة شرعية معترفا بها، كما صار صاحب الكلمة الفصل في هذا البلد. ما يشير إلى أن مثل هذا السؤال في محلّه هو أن الكل، على الضفة الأردنية من البحر الميّت، يعرف أن “الحشد الشعبي” صار قوّة لا يستهان بها في العراق وأن الكلمة الأولى والأخيرة ستبقى، إلى إشعار آخر، لإيران منذ سلّمته لها إدارة جورج بوش الابن في مثل هذه الأيّام من العام 2003.

ما سيزيد من نجاح القمة التي يستضيفها الأردن رفض القبول بقرارات الحد الأدنى من أجل المحافظة على نوع من التضامن العربي. لا معنى لأيّ تضامن عربي حقيقي من دون اتفاقات وتفاهمات في العمق تشمل كل أنواع الإرهاب وليس إرهاب “داعش” وحده. سيحصل ذلك حتّى لو لم يتوفّر له إجماع.

معروف تماما أنّ هناك تحالفا دوليا سيجتثّ “داعش”. ولكن مـاذا إذا كـانت معركة الموصل ستنتهي غدا ليتبيّن أن لدى “داعش” وإخوته قدرة على الانتقال إلى مكان آخر. ماذا إذا تبيّن أن ممارسات “الحشد الشعبي” في الموصل ستزيد من حال الاحتقان المذهبي بين السنة والشيعة في العراق؟

مرّة أخرى، سيكون من السهل حصول تفاهم عربي في شأن القضيّة الفلسطينية. هذا سيساعد إلى حدّ كبير في التأثير على مواقف الإدارة الأميركية الجديدة التي لا تزال في مرحلة بلورة سياساتها الشرق الأوسطية والخليجية.

في المقابل، سيظلّ صعبا إيجاد موقف موحّد من المشروع التوسعي الإيراني الذي يشكّل حاليا خطرا على كل المجتمعات العربية نظرا إلى اعتماده على الميليشيات المذهبية أوّلا وأخيرا.

المفيد أن مجموعة من العرب قرّرت مواجهة الواقع بدل الالتفاف عليه. هناك مصالحة مع الواقع دفع في اتجاهها بلد اسمه الأردن يعرف الملك فيه تماما أن في العالم حاليا مراكز قوى عدة. من يبحث عن دليل على ذلك يستطيع التساؤل لماذا بقي هناك حدّ أدنى من الهدوء في الجنوب السوري ذي الكثافة السكّانية؟ أليس ذلك عائدا إلى الدور الذي لعبه الأردن على صعيدين؟

الصعيد الأوّل إقناع عبدالله الثاني الرئيس فلاديمير بوتين بتفادي التصعيد في تلك المنطقة (حوران ومحيطها) التي فيها نحو سبعة ملايين سوري، والتي يؤثر الوضع فيها مباشرة على الوضع الأردني. أمّا الصعيد الآخر، فهو يتمثل في نجاح الأردن في إقامة منطقة عازلة بفضل قوات من المعارضة السورية المعتدلة والعشائر.

يعرف الأردن ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. لذلك يمكن القول أن قمة البحر الميت لم تنجح كلّيا في إحياء التضامن العربي، لكنّها نجحت في طرح القضايا الخلافية في أجواء من الشفافية تعكس رغبة لدى معظم العرب في أن لا يكونوا على هامش الأحداث الدائرة في المنطقة والعالم، بما في ذلك الاجتماعات التي تجري في أستانا حيث الأردن، مثله مثل الولايات المتحدة في دور المراقب، فيما الموضوع السوري يناقش بين روسيا وإيران وتركيا. أليس دور المراقب أفضل من الغياب العربي التام!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السهل والصعب في القمة العربية السهل والصعب في القمة العربية



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني

GMT 16:46 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

سقوط بالون طائر يحمل عددًا من السائحين في الأقصر

GMT 00:22 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

نيرمين الفقي تكشف سبب مشاركتها في مسلسل "أبوالعروسة"

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الثلاثاء

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 13:54 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بيتزا بيتي محشية الأطراف

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,04 آذار/ مارس

10 أشياء غريبة يحبها الرجل في المرأة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib