رسالة لبنان… من طرابلس

رسالة لبنان… من طرابلس

المغرب اليوم -

رسالة لبنان… من طرابلس

بقلم : خيرالله خيرالله

كانت طرابلس مستهدفة من النظام السوري الحالي منذ قام في العام 1970. لم يتغيّر شيء ولن يتغيّر شيء في لبنان أو بالنسبة إلى طرابلس ما دام هذا النظام السوري قائما، ولو شكلا. حتّى بعدما صار هذا النظام في مزبلة التاريخ، لا يزال في استطاعته ممارسة لعبة القتل والتفجير التي لا يتقن غيرها لا في لبنان ولا في سوريا نفسها. يمارس هذه اللعبة عبر أجهزته أو عبر عملائه من الذين نفّذوا له في الماضي جرائم بشعة ذهب ضحيتها أشرف اللبنانيين من العرب الأصيلين على رأسهم رفيق الحريري.

كان آخر دليل على مدى تورط النظام السوري في الإجرام والإرهاب القرار الاتهامي الصادر عن القضاء اللبناني في شأن تفجيريْ مسجدي السلام والتقوى في مدينة طرابلس، عاصمة الشمال. سقط في التفجيرين اللذين وقعا في الثالث والعشرين من آب – أغسطس 2013 نحو خمسين قتيلا وسبعمئة جريح كانوا بين المصلين في يوم من أيّام الجمعة.

كشفت الأجهزة الأمنية اللبنانية بالأسماء والتفاصيل الدقيقة من يقف وراء تلك الجريمة. بين ما كشفته اسميْ الضابطين السوريين اللذين توليا الإشراف على التنفيذ والجهازين التابعين لهما. لا جديد في الأمر إذا أخذنا في الحسبان طبيعة النظام السوري وأسلوب إلغاء الآخر الذي يؤمن به ولا يؤمن بسواه.

كان هناك دائما سعي لدى النظام السوري إلى التعاطي مع لبنان عن طريق الاغتيالات والتفجيرات وإرهاب السياسيين. الجديد تجرّؤ القضاء في لبنان على تسمية الأشياء بأسمائها. وهذا يحصل للمرّة الأولى، بمثل هذه التفاصيل الدقيقة، منذ اغتيال النظام السوري، بأوامر مباشرة من حافظ الأسد وعن طريق ضابط علوي من القريبين منه، الزعيم الدرزي كمال جنبلاط في السادس عشر من شهر آذار ـ مارس من العام 1977.

لم يكن ذلك ممكنا لولا وجود أجهزة أمنية لبنانية، على رأسها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ترفض أن تكون تابعة لأيّ جهة خارجية. هذه أجهزة تؤكّد كلّ يوم أن لبنان لم يمتْ بعد… بل لا يزال يقاوم.

في الواقع، لا يزال في لبنان من يؤمن بوجود الدولة وبوجود سيادة لبنانية. وعد الرئيس سعد الحريري (رئيس الوزراء السابق وزعيم تيّار المستقبل) بكشف ملابسات جريمة تفجير المسجدين بعيد وقوعها. وفى بوعده وذهب وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى طرابلس نفسها في الذكرى الثالثة لحصول الجريمة كي يؤكد أن السلطات المختصة باتت تمتلك كلّ المعطيات المتعلقة بالمجزرة التي ارتكبها النظام السوري قبل ثلاث سنوات بحق طرابلس وأهلها. لا مزايدات من أيّ نوع في التعاطي مع الجرائم التي ترتكب على أرض لبنان. هناك سياسيون، يفرقون بين الواقع والوهم. هؤلاء يؤدون واجبهم تجاه أهل طرابلس من دون تمنين أو سعي إلى استغلال لمصائب المواطنين أهل المدينة.

تصرّف النظام السوري، دائما، مع طرابلس بصفة كونها مدينة سورية تقيم فيها أكثرية سنّية. تعامل مع طرابلس مثل تعامله مع دمشق وحمص وحماة وحلب واللاذقية، وذلك من أجل إخضاع هذه المدن وتدجينها. استخدم القمع والإرهاب وأقام، في الوقت ذاته، جيوبا علوية في هذه المدن، في داخلها أحيانا وفي محيطها في أحيان أخرى. عدد الجرائم التي ارتكبها في طرابلس لا يحصى.

تبقى مجزرة باب التبانة في صيف العام 1986 من بين النقاط الفاصلة في العلاقة بين طرابلس والنظام السوري التي بقيت فترة طويلة تحت رحمة الأجهزة الأمنية السورية من جهة، والجيب العلوي في بعل محسن من جهة أخرى. بلغ عدد الذين قتلهم النظام السوري في باب التبانة نحو سبعمئة. كان بين هؤلاء شبّان ذبحوا على يد ما يسمّى “القوات الخاصة” السورية!

كانت جريمة مسجديْ السلام والتقوى قبل ثلاث سنوات دليلا على أن النظام السوري لم يصدّق أنّه خرج من طرابلس، وأنّ طرابلس ترفض أن تكون مدينة سورية أخرى خاضعة له. طرابلس المدينة التي يفتخر أهلها بأنّها “طرابلس الشام”، تقف مع الشعب السوري وليس مع النظام. إنّها مدينة سورية من هذه الزاوية فقط، وهي امتداد طبيعي، بحكم الجغرافيا، لحمص المتمرّدة على النظام والرافضة له.

كان صدور القرار الاتهامي في جريمة المسجدين الطرابلسيين نقطة مضيئة على الصعيد اللبناني. لا يزال في لبنان قضاة يتمتعون بما يكفي من النزاهة والشجاعة لقول كلمة حقّ. ولا تزال في لبنان أجهزة أمنية ترفض أن تكون تحت سيطرة “حزب الله” الذي يشارك في الحرب التي يشنّها النظام على الشعب السوري وفي تدمير المدن السورية وتهجير أهلها من منطلق مذهبي ليس إلّا.

هذا لا يمنع من الاعتراف بأنّ هذه الصورة المشرقة التي كشفها القرار الاتهامي لم تكتمل بعد. هناك جانب آخر للصورة. إنّه الجانب السلبي المتمثل في تجاهل “حزب الله” وأداته المسيحية، أي النائب ميشال عون وتيّاره السياسي، القرار الاتهامي. أمس كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يدعو إلى الاحتكام للقضاء قبل توجيه الاتهام إلى النظام السوري في قضية مسجدي السلام والتقوى. اليوم هناك صمت مطبق لدى نصرالله وميشال عون.

هل دم هؤلاء اللبنانيين الذين سقطوا في طرابلس لا قيمة له؟ هل أهل طرابلس من الطارئين على لبنان وعلى الهوية اللبنانية؟ أين أيضا بعض نواب طرابلس مثل نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء السابق، رئيس حكومة “حزب الله”، الذي لا يعود له صوت عندما يتعلّق الأمر بما يرتكبه النظام السوري في حق أهل مدينته وأبناء طائفته؟

في كلّ الأحوال، يشير التطور المتمثل في قول القضاء اللبناني كلمته في قضية مسجديْ السلام والتقوى إلى أن لبنان لم يستسلم كلّيا بعد للمشروع التوسّعي الإيراني. صحيح أنّه محاصر من كلّ الجهات، وهناك محاولة مكشوفة لعزله عن محيطه العربي، لكنّ الصحيح أيضا أنّه لا يزال يقاوم. ولكن إلى متى يستطيع الاستمرار في ذلك؟

تصعب الإجابة عن هذا السؤال، ولكن ليس أمام ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانية سوى خيار التصدي للنظام السوري من جهة، وكشف حقيقة حرص “حزب الله” على لبنان واللبنانيين والسيادة الوطنية من جهة أخرى. تلك هي رسالة لبنان من طرابلس، التي هي رسالة ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانية في هذه الظروف البائسة التي يمرّ فيها الوطن الصغير.

في هذه المرحلة التي يعاد فيها رسم خريطة الشرق الأوسط لمصلحة إيران وتركيا… وإسرائيل في طبيعة الحال، ليس أمام لبنان من خيار سوى القول، بالفم الملآن، أنّه لا تزال فيه نواة صالحة ترفض الرضوخ للمشروع التوسّعي الإيراني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة لبنان… من طرابلس رسالة لبنان… من طرابلس



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib