عهد جديد وتحديات جديدة في لبنان

عهد جديد وتحديات جديدة في لبنان

المغرب اليوم -

عهد جديد وتحديات جديدة في لبنان

بقلم : خيرالله خيرالله

لا شك أن عهدا جديدا بدأ في لبنان. يختلف هذا العهد، إذا أخذنا في الاعتبار ظروف انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية عن كلّ العهود السابقة، وذلك على الرغم من أن هناك أكثر من جهد من أجل المقارنة بين الظروف التي رافقت انتخاب ميشال عون في 2016 وتلك التي رافقت انتخاب بشير الجميّل رئيسا في العام 1982. وهذه مقارنة في غير محلّها لأسباب كثيرة تحتاج إلى مقال آخر مخصص لها. من بين هذه الأسباب أن أحدا في العام 1982، لم يلجأ إلى ورقة الفراغ الرئاسي للضغط على النواب أو لحملهم على التوجه لانتخاب بشير رئيسا للجمهورية.

إلى ما قبل العام 2014، عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان، لم يطل الفراغ الرئاسي يوما سنتين ونصف سنة. طُرح طوال السنتين ونصف سنة سؤال في غاية الأهمّية كان يتوقف عليه مصير البلد: هل المطلوب استمرار الفراغ السياسي لتبرير الانتهاء من النظام القائم من منطلق أن اتفاق الطائف جاء نتيجة موازين معيّنة للقوى لم تعد قائمة حاليا؟

المهمّ أن لبنان صار لديه رئيس للجمهورية. عاد هناك رأس للدولة. صحيح أن من بادر إلى طرح ترشيح ميشال عون كان “حزب الله” الذي ارتبط به منذ شباط – فبراير من العام 2006، لكنّ الصحيح أيضا أن “حزب الله” لم يستطع إيصال الجنرال إلى قصر بعبدا. تحقّق في الطريق إلى قصر بعبدا أمران يمكن وصفهما باختراقين. الأوّل التقارب والمصالحة بين “التيّار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”. صار هناك قسم لا بأس به من المسيحيين مع ميشال عون. أمّا الاختراق الآخر فيتمثل في تحول القائد السابق للجيش اللبناني إلى مرشّح “تيار المستقبل” أيضا.

ما فعله الرئيس سعد الحريري يمثل ذروة التجاوز للحسابات الشخصية. بقي هناك أمل واحد بإنقاذ لبنان، أو ما بقي من مؤسساته، عن طريق سدّ الفراغ الرئاسي. تمسّك سعد الحريري بهذا الأمل. حاول ذلك منذ البداية، متجاوزا كلّ الاعتبارات الخاصة. رشّح النائب سليمان فرنجية. استطاع إقامة جسور تفاهم مع فرنجية في شأن كلّ ما يمكن أن ينهض بالبلد. بعد سنة على تبني سعد الحريري لترشيح سليمان فرنجيه، بقي كلّ شيء على حاله.

لا بدّ من الاعتراف بأنّ ميشال عون عرف كيف يجب التعاطي مع “حزب الله”. ربما ساعدته العلاقة التي عمرها ما يزيد على عشر سنوات في ذلك. المهمّ أن طرح اسمه أخرج البلد من الفراغ الرئاسي، خصوصا بعدما وضع الرئيس سعد الحريري الحزب أمام لحظة الحقيقة… فأربكه.

إلى الآن، يغلب التفاؤل على ما عداه، على الرغم من أن ماضي ميشال عون لا يشجع كثيرا على ذلك. كان خطاب القسم في غاية التوازن، أقله عندما تطرّق الرئيس المنتخب إلى ثلاثة أمور؛ أولها التمسّك بالدستور والميثاق الوطني، وثانيها إثارة موضوع عمق الأزمة الاقتصادية وكيفية معالجتها، وثالثها النأي بالنفس عن الحرب الدائرة في سوريا والحرائق المندلعة فيها والتي أصبح “حزب الله” جزءا لا يتجزّأ منها من منطلق مذهبي بحت.

يعتبر خطاب القسم تطورا كبيرا على صعيد مضمون الخطاب السياسي لميشال عون الذي سبق له في الماضي، قبل التحالف مع “حزب الله”، إذ تحدث بدقة شديدة إن عن طبيعة النظام السوري أو عن ما هي “ولاية الفقيه” أو الدور الإيراني في المنطقة. وهذا كلام مسجّل معروفة تماما الظروف التي قيل فيها، كما معروفة الأسباب التي أدت إلى التغيير الكبير الذي طرأ على مواقف “التيار الوطني الحر”، خصوصا بعد عودة زعيمه من منفاه الباريسي في العام 2005، إثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

في النهاية، هناك واقع لم يعد في الإمكان تجاهله. هذا الواقع يطرح تحديات جديدة، يظهر أن الرئيس المنتخب يعي مدى خطورتها. من بين هذه التحديات علاقة لبنان بدول الخليج العربي. ربّما كان ذلك وراء إشارته في خطاب القسم إلى الكلام عن التزام لبنان بميثاق جامعة الدول العربية، أي أن لبنان إلى إشعار آخر، بلد عربي وليس الخروف الأسود في القطيع الأبيض، كما ظهر في الاجتماعات العربية والإسلامية الأخيرة.

أيام قليلة ويتبيّن أين أصبح لبنان. هل سدّ الفراغ الرئاسي، الذي سمح لبعض نواب “حزب الله” بالكلام بطريقة متعالية تعكس عجرفة ليس بعدها عجرفة، كفيل بلملمة الوضع؟ الأكيد أن تشكيل حكومة جديدة سريعا ستكون له نتائج إيجابية، في حين أن الجرجرة ستعني أنّ “حزب الله” لم يؤيد ميشال عون إلا بعدما حشره سعد الحريري في الزاوية.

بكلام أوضح، أيّد “حزب الله” ميشال عون بعدما وضعه سعد الحريري أمام خيار كشف نياته الحقيقية أو تأجيل ذلك مؤقتا. والنيات الحقيقية لـ”حزب الله”، التي يرفض كشفها الآن، تتمثّل صراحة في تغيير طبيعة النظام. من الواضح أنّ الطريقة التي تعاطى بها مع الانتخابات الرئاسية كانت خطوة في هذا السياق الذي لا يزال قسم كبير من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين يتجاهل مدى خطورته وأبعاده والنتائج التي ستترتب عليه.

عاجلا أم آجلا سيكون على لبنان مواجهة مشكلة اللاجئين السوريين. حسنا فعل الرئيس المنتخب بالتنبيه إليها عندما قال: “علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة للنازحين، ساعين إلى ألا تتحول المخيمات وتجمعات النزوح إلى مخيمات أمنية. لا يمكن أن يقوم حلّ في سـوريا لا يضمن عودة اللاجئين ويبدأ بذلك”.

هذا كلام كبير يفرض على لبنان الاستعداد منذ الآن لتفادي تفاقم هذه المشكلة الضخمة ومعالجتها مسبقا، هو الذي يعاني منذ ما يزيد على ستين عاما من وجود المخيمات الفلسطينية في أراضيه. ستبدو أزمة اللاجئين الفلسطينيين، بكل أخطارها وسلبياتها، مجرد مزحة مقارنة مع ما ستكون عليه أزمة اللاجئين السوريين الذين بات عددهم يزيد على مليون ونصف مليون لاجئ. لعلّ أخطر ما في الأمر، أنّ النظام السوري يعمل مع حلفائه الموجودين على الأرض، سواء أكانوا إيرانيين أو روسا، أو ميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وأفغانية، على تهجير أكبر عدد من السوريين من أرضهم. تنفّذ هذه السياسة على حساب دول عدة في المنطقة من بينها دولة مثل لبنان ذات مساحة ضيّقة، لكنّها لا تستطيع التعاطي مع اللاجئ السوري من منطلق عنصري بأي شكل.

هناك عهد جديد في لبنان. وهناك تحديات جديدة. لا خيار آخر غير الارتفاع إلى مستوى هذه التحديات عن طريق حكومة تضمّ شخصيات تفهم في السياسة والاقتصاد وتعي في الوقت ذاته خطورة استمرار البلد في عزلته. ثمة حاجة إلى تعاون الجميع، بدءا برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وكل الوزارات للملمة وضع لا يزال في الإمكان لملمته.

ثمة إشارات توحي بأنّه لا يزال في الإمكان معالجة الوضع. المهم تحويل هذه الإشارات إلى أفعال تؤكّد أن شيئا ما تغيّر في لبنان وأن في الإمكان الاستفادة من أخطاء الماضي بدل البقاء في أسره…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عهد جديد وتحديات جديدة في لبنان عهد جديد وتحديات جديدة في لبنان



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib