اثيوبيا في المجهول

اثيوبيا في المجهول

المغرب اليوم -

اثيوبيا في المجهول

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

من الصعب التكهّن بمستقبل بلد مهمّ مثل اثيوبيا يعتبر من بين اكثر البلدان الافريقيّة عراقة. الامر الوحيد الأكيد ان اثيوبيا مقبلة على تطورات في غاية الاهمّية والخطورة تهدّد بين ما تهدّد وحدتها من جهة واستمرار دور المركز الذي يحكم منه البلد من جهة أخرى. المعني بالمركز العاصمة اديس ابابا المهدّدة بالسقوط قريبا في ضوء زحف الميليشيات الآتية من تيغراي وغيرها من المناطق. ليس معروفا الدور الذي ستلعبه اديس ابابا في إدارة شؤون بلد في حال دخول اثيوبيا مرحلة جديدة في ظلّ تجاذبات بين الأعراق المختلفة التي يتشكل منها بلد فيه 80 لغة يتحدّث بها سكانه الذين وصل عددهم في العام 2020 الى 115 مليون نسمة.

من الآن، يصلح طرح سؤال يتعلّق بمدى تأثير تشظي اثيوبيا، على غرار تشظي الصومال واليمن، على منطقة القرن الافريقي كلّها.

تكفي اشارتان للتأكد من مدى خطورة الوضع في اثيوبيا. الأولى دعوة الإدارة الأميركية كل مواطنيها الى مغادرة اثيوبيا "في اسرع وقت" والأخرى دعوة الجيش الإثيوبي جنوده السابقين الى تسجيل نفسهم لدى السلطات المعنيّة والمشاركة في العمليات العسكرية.

يعطي فكرة عن خطورة الوضع أيضا أنّ تسعة فصائل مناهضة للحكومة المركزية في إثيوبيا شكلت تحالفاً من اجل زيادة الضغط على رئيس الوزراء أبي أحمد كي يقبل التخلي عن السلطة. يحدث ذلك في ظلّ زحف لقوات متمردة على العاصمة. ليس ما يشير الى ان القوات الحكومية قادرة على وقف تقدّم المتمردين الذين يعملون تحت مظلّة تحالف جديد سمّي "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية". يسعى هذا التحالف إلى "إقامة ترتيب انتقالي في إثيوبيا" حتى يتمكن رئيس الوزراء من الرحيل في أسرع وقت ممكن، حسب ما قال يوهانيس أبرهة، أحد المنظمين لهذا التحالف، وهو من مجموعة تيغراي. اعتبر أبرهة أن "الخطوة التالية ستكون، بالطبع، عقد اجتماعات والتواصل مع الدول والديبلوماسيين والجهات الفاعلة الدولية في إثيوبيا وخارجها".الغريب في الامر ان التحالف يضمّ جماعات من عرق الاورومو التي ينتمي اليه رئيس الوزراء نفسه، وهو اوّل ممثل للاورومو يصل الى الموقع السياسي الاهمّ في اثيوبيا في آذار – مارس من العام 2018.

من الواضح أنّ ما تشهده اثيوبيا يعكس فشلا لآبي احمد في إدارة البلد منذ اصبح رئيسا للوزراء في آذار – مارس 2018. هناك آمال كثيرة عُلٍّقت عليه، خصوصا بعدما سعى الى رأب الصدع مع اريتريا بعد حرب مكلفة بشريا وماديا بين البلدين في العامين 1998 و2000. كشفت تلك الحرب وقتذاك العقم السياسي في اريتريا التي ما ال يحكمها اسياس افورقي وفي اثيوبيا نفسها التي كانت في عهدة رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي.

تكمن مشكلة اثيوبيا حيث فشل آبي احمد فشلا ذريعا في إقامة نظام مختلف وعصري في غياب الحكومة القادرة على إبقاء البلد موحّدا. لم يستطع آبي احمد التعاطي مع مختلف المكونات في البلد. في الواقع لم يمتلك الأدوات التي تسمح له بان يكون ديكتاتورا آخر. لجأ في السنتين الماضيتين الى القمع، لكنّ ذلك لم يحلّ أي مشكلة من ايّ نوع، خصوصا بعدما اصطدم بالتمرد في تيغراي. ما لا يمكن تجاهله ان جماعة تيغراي سيطرت على السلطة بعد خروج منغيستو هايلي مريام في العام 1991.

لماذا تبدو اثيوبيا مهدّدة بمرحلة طويلة من الاضطرابات؟ لا يمكن تحميل آبي احمد وحده كلّ المسؤولية. من المفيد العودة الى المراحل التي مرّ فيها البلد منذ العام 1974 تاريخ الانقلاب العسكري على الامبراطور هيلاسيلاسي الذي لم يكن شخصيّة سياسية فحسب بل كان اكثر من ذلك بكثير كشخصية تمتلك هالة دينية في الوقت ذاته في ضوء الجذور التاريخيّة للعرش.

جاء التخلّص من هيلاسيلاسي، عن طريق مجموعة من الضباط، في ظلّ الحرب الباردة. كان الاتحاد السوفياتي يبحث عن موقع مهمّ في القرن الافريقي. تولى تأمين هذا الموقع منغسيتو هايلي مريم الرجل القوي في اللجنة العسكريّة التي تولت السلطة بعد انهيار النظام الامبراطوري. تخلّص منغيستو، الذي كان ينتمي الى العرق الامهري، باكرا من امان عندوم رئيس اللجنة العسكرية التي سميت "الدرق". لعب امان عندوم، الضابط المحترف، الدور الأساسي في ترقية منغيستو الى رتبة عريف وذلك عندما كان يعمل في مكتبه!

كان امان عندوم اريتريا وكان وجوده على رأس اللجنة العسكرية يرمز الى وحدة اثيوبيا التي كانت اريتريا جزءا منها. تابع منغيستو مسيرته نحو الاستحواذ على كلّ السلطة. تخلّص لاحقا من ضابط كبير آخر هو تيفيري بنتي في العام 1977 وما لبث بعد ذلك ان تحوّل الى عميل سوفياتي معتمد بعد حرب اوغادين بين اثيوبيا والصومال في العامين 1977 و1978. انحاز الاتحاد السوفياتي كلّيا الى اثيوبيا في تلك الحرب وربح الجائزة الكبرى بعدما حولها الى حليف معتمد في المنطقة على حساب الصومال. لم يسقط منغيستو الّا في العام 1991. ترافق سقوطه ولجوئه الى زيمبابوي حيث توفّى... مع انهيار الاتحاد السوفياتي.

مع خروج منغيستو من اديس ابابا، بوساطة إسرائيلية مكافأة له على تهريب الفالاشا الى إسرائيل، استقلت اريتريا بعد استفتاء شعبي أشرفت عليه الأمم المتحدة.تفتقر اثيوبيا الى رجل قوي. فقدت وحدتها، عندما استقلّت اريتريا، وخسرت أي واجهة على البحر مع حصول هذا الاستقلال. بات كلّ ما يمكن قوله الآن أنّ اثيوبيا دخلت مرحلة المجهول في منطقة تقف كلّها على كف عفريت، خصوصا ان مستقبل السودان يبدو غامضا، كذلك مستقبل اريتريا نفسها التي تبدو متماسكة في ظلّ النظام الحديدي الذي أقامه اسياس افورقي. ليست اثيوبيا سوى جزء من عالم يتغيّر. يتغيّر سريعا، خصوصا على ضفتي البحر الأحمر في منطقة القرن الافريقي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اثيوبيا في المجهول اثيوبيا في المجهول



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
المغرب اليوم - المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع

GMT 18:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال "العتاولة 2"
المغرب اليوم - أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب

GMT 13:31 2018 الأحد ,08 تموز / يوليو

محمد الشناوي يوضح أنه لم يلتفت إلى أي عروض

GMT 00:51 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

كهف مظلم في نيوزيلندا تضيئه الديدان المتوهجة

GMT 08:28 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نحو 60% من الصينيين يتعرضون لفقدان شعر مبكر وزيادة الصلع
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib