يعكس القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شأن الصحراء المغربية رغبة أميركية واضحة في إبقاء هذا النزاع معلّقا، أقلّه في المدى المنظور. أفشل المغرب قدر المستطاع المحاولات الأميركية الهادفة إلى ابتزازه. الأهمّ من ذلك أنّه قطع الطريق على ذهاب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بعيدا في جعل القرار الصادر عن مجلس الأمن وسيلة ضغط على المغـرب. ربح المغرب الجولة، من دون أن يعني ذلك أن أعداءه لن يعاودوا الحملة عليه قريبا.
من النقاط الإيجابية في القرار الصادر عن مجلس الأمن، إضافة إلى عدم تعديل مهمات “مينورسو”، ربطه بين الوضع في الصحراء والاستقرار في منطقة الساحل التي تحوّلت مصدرا للإرهاب في ظلّ النشاطات التي تمارسها الأداة الجزائرية المسمّاة جبهة “بوليساريو”. اعتبر القرار أنّ من شأن التوصّل إلى حلّ سياسي في الصحراء وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي “المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الساحل”.
تكمن المشكلة في أنّ الحلّ السياسي في الصحراء موجود، بل في متناول اليد، في حال كانت هناك رغبة فعلية في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الساحل. لكنّ الواضح أن الإدارة الأميركية ترفض رؤية الأمور على حقيقتها، وتستخدم بان كي مون من أجل بقاء حال عدم الاستقرار سائدة في المنطقة خدمة لمآرب معيّنة.
قبل كلّ شيء، هناك الطرح المغربي المتعلّق بالحكم الذاتي الموسّع للصحراء في إطار قرار متخذ يقضي باعتماد اللامركزية (الجهوية) في كل محافظة من المحافظات المغربية. الأهمّ من ذلك كلّه، أن ما يطرحه الأمين العام للأمم المتحدة، في شأن الاستفتاء، يمثل الطريق الأقصر لبقاء نزاع الصحراء، وهو نزاع مغربي – جزائري مستمرّا إلى ما لا نهاية. يخدم هذا التوجّه المريب أهدافا ليست معروفة باستثناء إبقاء الصحراويين الموجودين في مخيمات تندوف الجزائرية في سجن كبير والمتاجرة بهم وبقوتهم. هؤلاء يعيشون في مخيّمات تصلها مساعدات من الخارج، خصوصا من جهات أوروبية. هناك وثائق تؤكد أنّ هذه المساعدات باتت باب رزق لبعض القيادات في “بوليساريو” بالتواطؤ مع جهات جزائرية تعتاش من تأجيج النزاع من جهة، وتجاهل الحلّ العملي المطروح من جهة أخرى.
لم يكن المغرب يوما ضدّ ممارسة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء “مينورسو” نشاطاتها. على العكس من ذلك، قدّم لها دائما كلّ التسهيلات المطلوبة. ركّز المغرب دائما على حماية حقوق الإنسان في كلّ محافظة من محافظات المملكة. من أساء إلى بعثة الأمم المتحدة وحمل المغرب على اتخاذ إجراءات معيّنة تجاه “مينورسو” هو بان كي مون الذي وصف الوجود المغربي في الصحراء بأنه “احتلال”. كيف يمكن لبلد يمارس سيادته على أرضه، بعد زوال الاحتلال الأسباني في العام 1975، أن يكون سلطة محتلة؟
تلتقي الإدارة الأميركية الحالية مع الأمين العام للأمم المتحدة، الذي تشارف ولايته على نهايتها، عند العداء للمغرب. هل هذا عائد إلى أنّ المملكة واحة الاستقرار الأخيرة في منطقة شمال أفريقيا؟
ليس مستبعدا أن يكون الأمر كذلك. من يحدّد مهمّة “مينورسو” في تنظيم استفتاء، إنما يبحث عن مهمّة مستحيلة لا أكثر. من يحقّ له المشاركة في الاستفتاء؟ هل محمد عبدالعزيز زعيم “بوليساريو” مواطن مغربي أم لا؟ لو لم يكن مواطنا مغربيا لما كان والده خدم في الجيش المغربي برتبة ضابط صفّ…
في كلّ الأحوال، استطاع المغرب ممارسة ضغوط واستخدام صداقات من أجل تعديل النصّ الأصلي لمشروع القرار الذي قدّمه الوفد الأميركي. اكتفى القرار، كما صدر، باعتماد لهجة مخففة بالنسبة إلى مراقبة تنفيذ القرار. فبعدما مدّد المجلس لـ”مينورسو” سنة، شدّد على “الحاجة الملحّة” إلى “استعادة مينورسو كامل نشاطها”.
يمارس المغرب، بكل بساطة، سياسة الدفاع عن النفس من دون أن يعني ذلك أيّ تهاون عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن سيادته. لن تجعله الإدارة الأميركية ولا مناورات بان كي مون يتراجع قيد أنملة عن حقوقه في الصحراء وغير الصحراء.
تراجعت الإدارة الأميركية وأفشلت معظم الدول الأعضاء في مجلس الأمن مناورات بان كي مون. المفارقة، أن المعركة الأخيرة التي خاضها المغرب في مواجهة الساعين إلى النيل من ترابه الوطني جاءت بعد أيّام قليلة من انعقاد القمّة المغربية – الخليجية في الرياض وخروجها ببيان يؤكّد الترابط بين الأمن الخليجي والأمن المغربي، فضلا عن وقوف دول مجلس التعاون مع المغرب، من دون لبس، في شأن كلّ ما له علاقة بقضية الصحراء المفتعلة.
في النهاية، تتقدّم القافلة المغربية من دون التفات إلى الخلف وإلى المزايدين. لم تجد الجزائر ما تردّ به على الموقف الخليجي من الصحراء المغربية سوى إرسال وزير من الدرجة العاشرة إلى دمشق لمقابلة بشّار الأسد. يريد النظام تأكيد أنّه شريك في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري.. نكاية بدول الخليج. هذه هي السياسة الجزائرية القائمة على التدخل في شؤون الآخرين بطرق ملتوية، كما يحصل في الصحراء، أو عبر دعم أنظمة مجرمة مثل النظام السوري.
نسي النظام الجزائري، أو تناسى، ما قدّمه المواطنون السوريون للثورة الجزائرية. يبدو أنّه آن أوان مكافأة الشعب السوري على تضحياته من أجل الجزائر قبل استقلالها. يتمّ ذلك عبر مشاركة إيران وروسيا في حرب الإبادة التي يتعرّض لها هذا الشعب!
في حال كان هناك حرص لدى الأمين العام للأمم المتحدة أو لدى إدارة باراك أوباما على أهل الصحراء، في استطاعة الجانبين تذكّر أمرين. الأوّل أن الصحراويين موجودون في كل المنطقة الممتدة من موريتانيا، على المحيط الأطلسي، إلى جنوب السودان، على البحر الأحمر. هذا الشريط الصحراوي يمرّ بالجزائر. لماذا لا تتبرّع الجزائر بقطعة من أراضيها الشاسعة وتقيم دولة لصنيعتها، أي لـ”بوليساريو”؟
أمّا الأمر الثاني، الذي يفترض بإدارة أوباما وبان كي مون تذكّره، فهو أنّ قضيّة الصحراء كانت دائما نزاعا مغربيا – جزائريا. تسعى الجزائر إلى توفير ممر لها إلى المحيط الأطلسي وذلك عبر إقامة كيان يكون جرما يدور في فلكها في الأراضي المغربية. سعى المغرب في كلّ وقت إلى محاولة إفهام الجزائر أن مثل هذا الممر ممكن، ولكن في إطار المحافظة على السيادة. كان ردّ الجزائر في كلّ وقت، باستثناء بعض سنوات حكم الشاذلي بن جديد، أنّها تريد كلّ شيء.. أو لا شيء.
يظلّ السؤال هل من يريد حلا وتسوية يحميان الصحراويين، أم المطلوب استمرار حرب الاستنزاف التي تشنها الجزائر على المغرب بغرض الهرب من مشاكلها الداخلية المستعصية؟
هذا هو السؤال الذي يفترض في أيّ متعاط في قضية الصحراء الإجابة عنه. كلّ ما تبقى تفاصيل. الحلّ موجود. إنّه الطرح المغربي في شأن الحكم الذاتي الموسّع في إطار اللامركزية. والحلّ أيضا في خلق إطار جديد للمفاوضات، أي مفاوضات مباشرة بين المغرب والجزائر. ولكن هل تسمح عقدة المغرب التي تتحكّم بالنظام الجزائري في الإقدام على مثل هذه الخطوة الشجاعة التي تعني، قبل كلّ شيء، مواجهة الحقيقة والواقع بدل الهرب منهما؟