توفيق بو عشرين
استُقبل العاهل الأردني في المغرب بما يليق بملك عربي صديق للمملكة، تربطه بالقصر العلوي روابط تاريخية، إذ إن الأسرتين معا تعتقدان أنهما من سلالة البيت النبوي. العلاقات الاقتصادية بين المغرب والأردن علاقات جد محدودة، ومازلت أذكر رواية حكاها لي المستشار الراحل، عبد الهادي بوطالب، عن سفير سابق للأردن في الرباط، حيث حزم ذات يوم حقائبه ورحل إلى بلاده بعد سنتين من دخوله إلى السفارة. وعندما سأله العاهل الأردني الملك حسين عن سبب مغادرة سفارة الهاشميين في الرباط، قال له: «يا جلالة الملك، سفارة الأردن في المغرب لا تحتاج إلى سفير بل تحتاج إلى «مأذون» عدول لإبرام عقود النكاح بين المغربيات والأردنيين. طيلة مكوثي في الرباط لم يكن لي من عمل سوى توثيق عقود الزواج المختلط بين الأردنيين والمغاربة». ضحك الملك الراحل من حجة سفيره في المغرب، وأعفاه من المهمة، ووضع سفيرا آخر مكانه…
أوردت هذه الحكاية لأؤكد أن العلاقات بين المغرب والأردن علاقات سياسية ودبلوماسية أكثر من كونها شيئا آخر، وهذه العلاقات كانت لها قيمة كبيرة عندما كان الحسن الثاني لاعبا رئيساً في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، أما وإننا انسحبنا تقريبا من هذا الملف، كما جل الدول العربية التي أصبحت ترى أن القضية الفلسطينية عبء عليها، بل إن الجنرال السيسي أصبح يأمر محاكمه بتصنيف فلسطينيي حماس إرهابيين، فلا بد أن تكون زيارة العاهل الأردني زيارة سياسية ودبلوماسية لا اقتصاد فيها ولا أرقام ولا اتفاقيات مهمة بين البلدين…
علمت من مصادر دبلوماسية رفيعة أن العاهل الأردني يحمل في حقيبته مشروع تشكيل حلف عسكري إسلامي يضم الأردن ومصر والسعودية والإمارات وباكستان والمغرب ودولا أخرى، والغرض هو محاربة داعش وأخواتها، وعدم ترك المجال فارغا لتمدد التطرف الديني العنيف في المنطقة، وعدم انتظار أمريكا لتتدخل من أجل محاربة دولة البغدادي التي أصبحت تهدد الأمن القومي الهش في الشرق الأوسط. مبرر العاهل الهاشمي للدعوة إلى هذا الحلف هو أن الدول العربية والإسلامية لا يمكن أن تبقي أمنها واستقرارها في يد واشنطن، وأن الدول الإسلامية المعتدلة لا بد أن تتحرك لتشكيل حلف إسلامي للدفاع عن الدول السنية المستهدفة من قبل داعش والقاعدة من جهة، ومن طرف إيران والهلال الشيعي من جهة أخرى، ولا شك أن الملك الأردني يستغل اليوم مشاركة المغرب إلى جانب الإمارات في قصف داعش في العراق وسوريا ليدعوه إلى ترسيم هذا التدخل أكثر ضمن حلف عسكري إسلامي جديد ضد الجهاد العابر للحدود لأن هذا الجهاد يهدد الدول العربية كلها بلا استثناء…
العاهل الأردني زار واشنطن الشهر الماضي لتسويق هذا المشروع، وقبل أن يحل بالمغرب زار الاتحاد الأوروبي، وحاول إقناعه بضرورة دعم هذا الحلف الجديد، وربما وجد من يسمعه في أوروبا أكثر من أمريكا المشغولة اليوم بملفات أهم، ومنها التسوية مع إيران…
هل من مصلحة المغرب اليوم أن ينخرط في مشاكل المشرق في هذا الظرف الصعب؟ هل من أولوياتنا الآن المشاركة العسكرية في فتنة داعش والقاعدة وأخواتها؟ هل نتقاسم التحليل نفسه مع السعودية والإمارات والكويت والأردن لمشاكل الشرق الأوسط؟ ما هي الرؤية السياسية التي سيبنى عليها هذا الحلف العسكري الإسلامي إن كتب له النجاح؟ لقد خاضت أمريكا ثلاث حروب على القاعدة؛ الأولى في أفغانستان، والثانية في العراق، والثالثة في اليمن، فكيف كانت النتيجة؟ بعد 12 سنة من احتلال العراق، وبمجرد أن خرجت أمريكا من بغداد، سقط ثلث العراق في يد البغدادي، وصار تنظيم الدولة يسيطر على مساحة جغرافية شاسعة في العراق وسوريا تضاهي مساحة عدة دول أوروبية… هذا معناه أن القضاء على داعش والقاعدة وأخواتها مستحيل عسكريا، بل لا بد من وصفة سياسية أولا، وعسكرية ثانيا، واقتصادية ثالثا، للقضاء على جذور الإرهاب وبيئة التطرف، ومناخ اليأس الذي يدفع آلاف الشباب إلى الانخراط في الإرهاب المعولم. إذا كانت أمريكا، بما تملكه من قوة عسكرية وتكنولوجية ومالية، قد عجزت عن محاربة التطرف الديني، فهل تستطيع بضع دول إسلامية، لا تمتلك قوة أمريكا ولا نفوذها، تحقيق نتائج مهمة في هذه المعركة؟
العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان، وقريبا دول أخرى، كلها تعد دولا فاشلة، والدولة الفاشلة هي الدولة التي لا تحتكر السلطة فيها حق استعمال القوة المشروعة، أو التي لا تستطيع حراسة حدودها، أو التي لا تستطيع تلبية الحاجات الأساسية لشعوبها، أو التي لا تستطيع القيام بواجباتها في مجتمع الدول. هذه كلها مواصفات للدولة الفاشلة، وعندما تسقط الدولة في مستنقع الفشل فإنها تصير مرتعا لكل أشكال الفوضى والصراعات الطائفية والعشائرية والقبلية، ومن ثم يحدث فراغ، ولأن الطبيعة تخشى الفراغ، فإن هناك دائماً من يتقدم لملء هذا الفراغ، وهذه هي حكاية قيام دولة البغدادي في أيام وحتى إن سقطت -وهي قريبة من السقوط- فإن تنظيمات أخرى ستخرج من رحم الفوضى غير الخلاقة التي تضرب الدول العربية اليوم، والفراغ الذي يحيط بها، أما الحل فهو معروف.. على كل بلد عربي أن يقوم بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، وأن يحتمي بالشرعية الديمقراطية، وأن يتصالح مع شعبه، وأن يفهم ويقتنع بأن لا عاصم له اليوم من هذه الفتنة إلا الحكم الرشيد… مرحباً بك في المغرب سيدي الملك عبد الله…