قط بنكيران لا يأكل الفئران

قط بنكيران لا يأكل الفئران

المغرب اليوم -

قط بنكيران لا يأكل الفئران

توفيق بوعشرين

قدم بنكيران، أول أمس بسلا، مثالا على تفعيل رئاسة الحكومة للدستور الجديد، وقال، في لقاء صحافي مع مؤسسة الفقيه التطواني، إنه تداول مع الراحل عبد الله بها بشأن موضوع أحقية رئيس الحكومة في الإشراف على الانتخابات باعتباره رئيس الإدارة المغربية، بعدما لاحظ أن وزارة الداخلية بدأت تتصرف بالطريقة القديمة نفسها التي كانت تشرف بها على الانتخابات، فوافق بها، صديق بنكيران، على هذه القراءة الدستورية لصلاحيات رئيس الحكومة تجاه الملف الأكثر حساسية في الحياة السياسية المغربية، فما كان من عبد الله بها، إلا أن اتصل بوزير الداخلية، محمد حصاد، باسم رئيس الحكومة، وأبلغه بضرورة أن يمر ملف الانتخابات من مكتب رئيس الحكومة، فرد عليه حصاد: «سأستشير جلالة الملك في الموضوع وأرجع إليك». وبعد مضي وقت قصير على هذه المكالمة، اتصل الملك محمد السادس برئيس الحكومة، وكلفه بالإشراف على الانتخابات بصفته رئيس الحكومة.

ماذا سيقع بعد هذا التكليف من أعلى سلطة في البلاد لرئيس الحكومة بالإشراف على الانتخابات؟ يواصل بنكيران رواية ما جرى في الكواليس: «بعدها جاء عندي حصاد، وقال لي إن جلالة الملك يريد أن تكون أنت المسؤول عن الانتخابات وسننفذ ما يأمر به سيدنا. وهكذا جرى تنظيم أول اجتماع حول التحضير للانتخابات حضره رؤساء وممثلو الأحزاب في رئاسة الحكومة وليس في مقر وزارة الداخلية».

وبعد هذا الاجتماع، ماذا جرى يا سيد بنكيران؟ هل أمسكت ملف الانتخابات بين يديك؟ هل أدرت المفاوضات بين الأحزاب؟ هل راجعت الإطار القانوني الذي ينظم الانتخابات؟ هل خلصت المغاربة من بدعة اللوائح الانتخابية التي لا تضم نصف المغاربة البالغين 18 سنة (عدد المغاربة المسجلين في اللوائح الانتخابية الآن حوالي 13 مليونا، وعدد البالغين سن التصويت القانوني 27 مليونا)؟ هل وضعت بصماتك على نمط الاقتراع والتقطيع وضمانات النزاهة، ومحاربة استعمال المال لإفساد الانتخابات، وغيرها من المطالب الكثيرة التي كان حزبك ينادي بها أيام المعارضة؟

جواب السيد بنكيران: «رئاسة الحكومة لا تملك الجهاز الذي يمكنها من الإشراف على تفاصيل العمليات الانتخابية. لا يمكنني أن أشرف على الانتخابات لأن ذلك يتطلب جهازا له خلفية وله تجربة، ولماذا لا تتكفل الداخلية بتدبير الانتخابات؟ أكثر من هذا أقول لكم إنني لم أفرض رأيي على الداخلية في مواضيع كثيرة منها، مثلا، اللوائح الانتخابية التي كان رأيي أن نلغيها ونعتمد البطائق الوطنية، لكن عندما أخبرني وزير الداخلية بأن الأمر صعب لأن هناك 27 مليون بطاقة تعريف يصعب تنقيتها من حاملي السلاح والمساجين والمتوفين، فقد تفهت الأمر».

ولكي يضيف بعض البهارات السياسية على حديثه، قال بنكيران: «من يعتقد أن وزارة الداخلية مثل سائر الوزارات فهو غالط، فالداخلية ستبقى هكذا في الحاضر والمستقبل كما كانت في الماضي.. إنها ذاكرة الدولة».

لم يوفق رئيس الحكومة في إعطاء مثال جيد على تأويل الدستور المغربي تأويلا ديمقراطيا.. العكس هو الصحيح. المثال الذي أعطاه بنكيران يدل على عكس ما سعى السيد رئيس الحكومة إلى الدلالة عليه، فهو، وإن تجرأ وأثار موضوع إشرافه كرئيس حكومة على الانتخابات، عكس الوزراء الأولين السابقين الذين كانوا يتفرجون على وزير الداخلية وهو يفصل ويخيط الانتخابات وخرائطها، فإن النتيجة النهائية واحدة.. بنكيران لا يشرف سياسيا ولا قانونيا على الانتخابات. يقول الصينيون حكمة دالة في هذا المقام مفادها: «ليس مهما أن يكون القط أبيض أو أسود.. المهم أن يأكل الفئران».. ليس مهما أن يقال إن رئيس الحكومة استضاف اللقاء الأول المخصص للتحضير للانتخابات، وخطب في معشر الأحزاب.. المهم هو البصمات التي سيتركها رئيس الحكومة على شفافية ونزاهة وعدالة الانتخابات لتعبر عن الإرادة الحقيقية للأمة، وألا تترك لعبة في يد الأعيان وأحزاب «الكارطون» ومصالح الإدارة، وألاعيب التقطيع التي تخدم بلقنة المشهد السياسي والانتخابي… كما كانت الانتخابات تجرى دائما.

إذا كانت وزارة الداخلية، مثلا، لا تستطيع انتقاء لوائح الحاصلين على البطاقة الوطنية من حاملي السلاح والمسجونين والمتوفين، فكيف يشيد رئيس الحكومة بكفاءتها وخبرتها، وبأنها ذاكرة المغرب (هذه أول مرة أسمع رئيس حكومة يصف وزارة الداخلية بذاكرة المغرب، حتى إدريس البصري لا أتذكر أنه ادعى أن الوزارة التي أشرف عليها لعقود تعتبر ذاكرة المغرب)؟ حاملو السلاح معروفة أسماؤهم لدى إدارة الدفاع، ولدى وزارة المالية أرقام أجورهم، والمسجونون معروفة أسماؤهم لدى إدارة السجون. أما المتوفون، فوزارة الداخلية هي التي تشرف على المقابر، وهي التي تعرف من يوضع في بطنها كل يوم، وهي التي تعطي تصاريح بالدفن, إذن، العملية بسيطة للغاية، ويمكن إعداد لوائح الذين يحق لهم التصويت في يوم واحد. يبقى مشكل العناوين في البطائق التي لا تتطابق مع العناوين الحالية.

هذه حالها أسهل من حال فتح التسجيل الجديد في اللوائح الانتخابية التي أعدها إدريس البصري ومازلنا نشتغل بها بكل عيوبها ومشاكلها… السبب في الاحتفاظ باللوائح الانتخابية وعدم استبدالها بلوائح البطاقات الوطنية سياسي وليس تقنيا، والانتخابات المقبلة تُهيأ بمنطق الانتخابات السابقة، والدستور موجود للتذكير بالظروف التي وضع فيها، والآمال التي كانت معقودة عليه لتطوير نظامنا السياسي، لكن الواقع اليوم يدبر بعيدا عنه، ظنا من الجميع أن ذلك أسلم وأفضل وأنجع… وبيننا الأيام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قط بنكيران لا يأكل الفئران قط بنكيران لا يأكل الفئران



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib