توفيق بو عشرين
لم تضِع الميزانية التي صرفت على الإحصاء العام للسكان، والبالغة حولي 80 مليار سنتيم.. لقد أعطانا المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، أرقاما ومعطيات وإحصائيات وحقائق وخرائط لحقيقتنا الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية واللغوية.. لا تقدر بثمن، وكل أمنياتنا أن تجد الحكومة والأحزاب وكبار المسؤولين والخبراء المغاربة الوقت لمطالعة هذه الأرقام واستخلاص الحقائق منها، وألا تظل هذه المعطيات النفيسة نائمة في الموقع الرسمي للإحصاء يستغلها فقط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وسفارات الدول الأجنبية والشركات العالمية، ووكالات المخابرات الدولية المهتمة بحركة المد والجزر في المملكة الشريفة.
أرقام كثيرة صادمة جاءت في تقرير الحليمي حول نتائج الإحصاء، الذي جرى نهاية السنة الماضية، ومن أبرز هذه الحقائق أننا بلد مازال يعيش تحت سمائه 8,6 ملايين مغربي لا يقرؤون ولا يكتبون، ولا يعرفون إلا القليل عن متغيرات العصر وحقائقه الكبرى.
قبل عشر سنوات، أي إبان الإحصاء الذي جرى في 2004، كان عدد أميي الحرف المغاربة 10.2 ملايين، وبعد عشر سنوات وثلاث حكومات، ومئات الوعود وملايين الدراهم التي صرفت على محاربة الأمية، لم ينخفض هذا الرقم سوى بأقل من مليون وستمائة ألف أمي. هذا معناه أن سياسات محو الأمية لم تكن جدية، وأن جزءا من نسبة انخفاض الأمية في المغرب تكفل به ملك الموت عزرائيل، الذي أخذ جزءا من الأميين الشيوخ إلى جوار ربهم بعدما عجزت الدولة عن إخراجهم من ظلام الأمية إلى نور العلم والتعلم… بلاد فيها 34 مليون مواطن يعيش بينهم 8.6 ملايين أمي لا يفتحون كتابا ولا موقعا على النيت ولا جريدة، ولا يخطون حرفا، ولا يعرفون أكثر من الدارجة التي يتعاملون بها كل يوم.
الدارجة هذه التي يتحدث بها ٪89.8 من المغاربة، حسب نتائج الإحصاء العام دائما، في حين يتحدث 27٪ الأمازيغية (٪15 الشلحة، ٪7.6 السوسية و٪4.1 الريفية) هذا معناه أن المغرب متعدد اللغات، لكن الدارجة النابعة من العربية هي السائدة والمهيمنة على لغة المعيش اليومي لسكان هذه الأرض، وهذه حقيقة يجب أن يتأملها جميع المتطرفين الواقفين على جبهات الحروب اللغوية في المغرب، من الأمازيغيين إلى الفرانكفونيين إلى القوميين العرب.
الهرم السكاني في المملكة يتغير بسرعة كبيرة، الخصوبة تنزل (كل 100 امرأة لا يلدن سوى 215 طفلا). هذا معناه، حسب المندوب السامي، أننا «وصلنا إلى مستوى لم نعد قادرين فيه على تعويض الأجيال»، وهذا لا يفسر بتراجع الإقبال على الزواج، الذي ازداد في العشر سنوات الماضية (٪45 من الرجال كانوا عزابا في إحصاء 2004 مقابل ٪40.9 في إحصاء 2014، و٪34 من النساء كن عازبات قبل عشر سنوات وقد انخفض عددهن اليوم إلى 28.9 ٪). قلة الإنجاب مردها، أولا، إلى قلة ذات اليد، أي الفقر، وثانيا الوعي الصحي لدى المرأة، وثالثا نمط العيش الغربي الذي يستهوي المرأة والرجل معا، ورابعا النزوح من القرية إلى المدينة، وتغير نمط الإنتاج غير المرتبط بالأرض… تراجع نسبة الخصوبة معناه أننا يمكن أن نجد عدد المغاربة وقد نقص في إحصاء 2024 المقبل، وهذا، من جهة، يفرح لأن الضغط الديمغرافي سيخفف العبء عن المدارس والمستشفيات والبنيات التحتية، لكنه في الوقت ذاته يدل على ارتفاع معدل الشيوخ وسط السكان.
أرقام الحليمي تقول: «انتقل عدد الشيوخ في المغرب من 2.3 مليون إلى 3.2 ملايين شيخ وعجوز في عشر سنوات فقط، هذا معناه أن الأمل في الحياة يزداد في بلاد كان الناس يموتون فيها قبل سن الستين. اليوم ٪28 من المسنين أعمارهم تتراوح بين 70 و79 سنة، والأخطر من هذا أن 300 ألف منهم يعيشون لوحدهم بلا معيل، منهم من يضطر إلى العمل أو التسول في أرذل العمر.
هذه الأرقام يجب أن تُقرأ جيدا من قبل النقابات التي تعارض إصلاح صناديق التقاعد التي توجد على حافة الإفلاس. المغرب لن يعود بلادا للشباب، سيصير قريبا جدا، مثل دول أوروبية كثيرة، بلاد الكهول والشيوخ، وهؤلاء يحتاجون إلى سياسات عمومية خاصة في مجال التقاعد والتطبيب والرعاية الاجتماعية، وكلها سياسات غائبة الآن في بلاد لا ينتبه فيها المواطنون إلى هذه الفئة العمرية، وجل المواطنين يعتبر أن مرحلة الشيخوخة فترة قصيرة، وهي قنطرة نحو القبر، لهذا لا يكلفون أنفسهم سوى الدعوات مع الشيخ والعجوز بأن يتقبلهما الله في رحمته الواسعة قريبا!
الشيء نفسه يقال عن المعاقين الذين يبلغ عددهم اليوم بيننا 1.3 مليون معاق، لديهم مشاكل في الحركة أو البصر أو السمع أو الكلام أو الإدراك، أو لديهم مشاكل في الاعتناء بأنفسهم، أو التركيز أو التذكر (تعريف الأمم المتحدة للمعاق)… الأكثر مدعاة إلى الحزن أن هؤلاء الأشخاص في وضعية صعبة، وجلهم لا يعرف القراءة والكتابة، أي أمي، و8 من كل 10 منهم عاطلون عن العمل، وهذا ما يفاقم محنتهم، لكنه في الوقت نفسه يضع الحكومة والدولة أمام صورتهما غير الإنسانية في المرآة؟ كيف تصرف الحكومة مليارات الدراهم كل سنة لدعم كبار الفلاحين وكبار الصيادين وكبار الصناعيين وكبار السياحيين… ولا تدعم 1.3 مليون معاق، أو على الأقل ٪30 منهم ممن يحتاجون إلى علاجات طبية دائمة؟ طبعا هؤلاء ليس لهم محامٍ يدافع عنهم، ولا لوبي يضغط لأجلهم، ولا حزب ينطق باسمهم… لهم الله ورحمته الواسعة.