توفيق بو عشرين
فوجئ الرأي العام المغربي بصور بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات وهي منصوبة في شواطئ العاصمة الاقتصادية.
هذه صور لم يألفها الناس في هذه البلاد، وكان حريا بمؤسسة الجيش أو الوزارة المنتدبة في الحكومة المكلفة بالشؤون العسكرية أن تكتب بلاغا قصيرا، وأن تبعثه إلى وسائل الإعلام المغربية لشرح دواعي هذه الإجراءات العسكرية الاستثنائية، وتنبيه الرأي العام إلى الأخطار الموجودة على أمنه القومي أو المحتملة حتى، وأن تحدد درجة الأخطار المرتقبة وهل هي مرتفعة أم منخفضة أم متوسطة، وألا تترك الناس في «حيص بيص» لا يعرفون هل البلاد دخلت في حرب أم على وشك الدخول إليها، وهل المخاطر آتية من ليبيا أم الجزائر أم من الداخل؟
الإرهاب صار اليوم عملة دولية قابلة للصرف في جميع الدول وعابرة لكل الحدود، والجميع يعرف أن المنطقة تغلي، وأن الاستقرار فيها عملة نادرة، وأن بلادنا لن تبقى جزيرة معزولة عما يقع في المغرب العربي أو إفريقيا أو الشرق الأوسط، ففي العراق لنا كتيبة كاملة مشكلة من أكثر من 2000 عنصر اختاروا القتال تحت راية البغدادي، وهذه تقديرات وزارة الداخلية المغربية، وهناك اليوم من يقول إن الرقم أكبر من هذا بكثير، والتطور اللافت أن الأمريكيين رجعوا إلى العراق وطائراتهم اليوم تقصف داعش وعناصرها المتطرفة، وما هي إلا أسابيع وتتشكل الحكومة الجديدة في بغداد، وعندها ستشكل أمريكا تحالفا عراقيا كرديا إيرانيا للقضاء على داعش التي خلطت كل الأوراق وأصبحت تهدد الدول والكيانات وخاصة الهشة منها في المشرق العربي، ولهذا فإن الضربة الأمريكية القادمة ستشتت عناصر داعش في الأرض وستدفعهم للبحث عن ملاذات أخرى وجبهات جديدة، أما المحطة المقبلة لمقاتلي داعش، الذين يقدر عددهم بما بين 20 و30 ألف عنصر، فهي على الأرجح ليبيا التي انهار فيها ما بقي من معالم الدولة، ولهذا فإن من سيبقى حيا من كتيبة مغاربة داعش سيرجع إما إلى سوريا أو سيشد الرحال إلى ليبيا. هؤلاء قطعا لن يأخذوا تذكرة على متن رحلات «لارام» ولن يدخلوا إلى المغرب من مطار محمد الخامس، وهنا تكمن التحديات الأمنية الجديدة إذا استوطنوا ليبيا أو الجزائر أو مالي فإن خطرهم سيقترب أكثر من المغرب... هناك دول جربت عدة وصفات لمواجهة جيوش الشباب المتطرف العابر للحدود، والذين التحقوا بداعش وجبهة النصرة والجماعات الإسلامية المقاتلة. هناك، مثلا، دول أوربية جرمت القتال في بؤر التوتر المسلحة، وهناك دول جرمت مجرد السفر إلى هذه النقط المتوترة، وهناك دول فتحت باب العفو عمن غرر بهم من الشباب للذهاب إلى القتال تحت راية داعش السوداء، ووضعت العائدين تحت مراقبة أمنية مشددة حتى لا ينقلوا أفكارهم وتجربتهم وخبرتهم «الجهادية» إلى آخرين...
علينا دراسة كل هذه الوصفات، والتفكير في أفضل الطرق لمواجهة هذه الأخطار، خاصة أن الجيران على حدودنا إما دول هشة مثل موريتانيا، أو دولة عدوة مثل الجزائر، أو دولة حرب أهلية مثل ليبيا أما الصمت فليس حلا ولا سياسة مع رأي عام يتابع ما يجري وقلبه على وطنه وأمنه ومستقبل أبنائه.