حكومة بنكيران السمينة

حكومة بنكيران السمينة

المغرب اليوم -

حكومة بنكيران السمينة

توفيق بو عشرين


هل تساءلتم يوما لماذا يتحدث رئيس الحكومة عندنا في الميكروفون عندما يخاطب وزراءه في المجلس الحكومي؟ وهل سألتم يوما أنفسكم لماذا تجتمع الحكومة حول طاولة مستطيلة من 15 مترا؟ كم منكم يعرف أسماء الوزراء كلهم؟ أظن أن بنكيران نفسه لا يستطيع أن يستظهر أسماء وزرائه ووزارات حكومته دون أن يستعين بلائحة مكتوبة…

الرقم 39 هو المسؤول عن الميكروفون والطاولة الكبيرة وجهل الناس بأسماء الوزراء، وأقصد 39 وزيرا في بلد لا يتعدى عدد سكانه 34 مليونا. إليكم عدد الوزراء في بلدان كبيرة وصغيرة: في اليابان، التي يوجد فيها 140 مليون إنسان، والتي تفوق أرباح شركة كبيرة واحدة فيها مداخيل المغرب، هناك 14 وزيرا فقط. في سويسرا، الدولة الأغنى والأغلى والأجمل، حكومتها لا يزيد عددها على سبعة وزراء.. نعم سبعة وأقسم على ذلك، حيث يمكنهم أن يجتمعوا في مقهى أو في غرفة صغيرة ويتحدثوا بدون ميكروفون. في إسبانيا جارتنا، الحكومة فيها مشكلة من 14 وزيرا لا أكثر. في إيرلندا الحكومة مشكلة من 15 وزيرا، وفي جل الدول الأوروبية المتقدمة لا يزيد عدد الوزراء في كل أنواع الحكومات على معدل 14 أو 15 وزيرا، أما نحن فلدينا جيش من الوزراء.. 39 وزيرا. هذا ليس له إلا اسم واحد: الرشوة. الدولة ترشي نخب الأحزاب حتى يضع جلهم مؤخرته على جلد كراسي الوزارات، لأن ما يجمع جل النخب في دكاكين الأحزاب هو المصالح لا المبادئ.. المناصب لا البرامج.. المال والأبهة والسلطة لا الأفكار والشعارات والإيديولوجيات…

الحكومات السمينة ليس لها من هدف في المغرب إلا توسيع الكعكة التي تأكل منها الأحزاب ثم الدولة ثم التقنوقراط، لكن من يدفع الفاتورة في نهاية المطاف؟ الشعب وميزانيته الفقيرة، وأكثر من هذا غياب الالتقائية والتنسيق بين الوزارات الكثيرة.. هذا الوزير يشرق وذاك يغرب، وتصبح الحكومة مثل فرقة موسيقية كل واحد من عناصرها يعزف لحنا خاصا به. هذا يسمى ضجيجا وليس طربا، وفوق هذا نؤدي لجوق الفوضى هذا ثمنا كبيرا أثناء الخدمة وما بعد الخدمة. نحن من البلدان القليلة التي تصرف على وزرائها بعد خروجهم من السلطة طيلة حياتهم. تصوروا كم سيدخل إلى جيب وزير شاب اسمه بوهدود دخل الحكومة وهو ابن الثلاثين وسيخرج منها وهو ابن 35 سنة، وسيظل تقاعد الوزراء يصله إلى أن يلتحق بالرفيق الأعلى (أطال الله في عمره)…

هناك وزارات كثيرة لا لزوم لها في المغرب، وهناك وزراء لا يفعلون الشيء الكثير، لهذا وجبت عقلنة عدد الوزراء في تشكيل الحكومات. ولأن المفاوضات التي تسبق تشكيل الحكومات بلا سقف عندنا، فإننا نسقط في هذا المشكل العويص، والحل ثلاثة أشياء…

أولا: لا بد من التنصيص في القانون التنظيمي لعمل الحكومة على سقف معين لعدد الوزارات في أية حكومة لا يجوز تجاوزه مهما كان الأمر (ما بين 18 و20 وزيرا). السياسيون شهيتهم دائماً مفتوحة لمزيد من الوزارات، ومادامت الحكومات الائتلافية أصبحت عندنا من الثوابت الدستورية، فإنه من الأفضل أن نتحكم في عدد الوزارات، وألا نبقي هذا الأمر في يد أحد، لأنه ثبت أن المسؤولين في هذه البلاد لا «كبد» لهم على المال العام. 

ثانيا: لا بد من إلغاء تقاعد الوزراء. هذه بدعة وضعها الحسن الثاني، رحمه الله، والجميع يعرف أنه كان أبعد ما يكون عن التفكير الاقتصادي المعقلن. كان يعتبر توزيع المال العام جزءا من الحكم، وأنه يحتاج إلى ملء أفواه السياسيين بالذهب حتى لا ينطقوا بما يغضبه أو يحرض عليه. إذا كان وزيرنا المغربي قد أمضى خمس سنوات في الحكومة ولا يعرف بعد الخروج منها كيف يدبر حياته وحياة أسرته، فهذا شخص فاشل لا يصلح لشيء، ومن الأفضل معاقبته لأنه دخل إلى السياسة قبل أن يتعلم حرفة يأكل منها. الدول الكبرى تبقي تقاعدا للرؤساء فقط بعد نهاية فترة خدمتهم، مثل فرنسا وأمريكا، لأنه لا يعقل أن يخرج الرئيس من البيت الأبيض أو من قصر الإليزيه ليشتغل في شركة أو مقاولة أو مكتب محاماة، لكن باقي الوزراء عليهم الرجوع إلى أعمالهم، فالوزارة مهمة وليست حرفة، والسياسة عمل نبيل وليست كازينو نربح فيه فرصة العمر.

ثالثا: أحد أسباب نشوء الوزيعة حول المناصب الحكومية هو آفة الحكومات الائتلافية المشكلة من أربعة أو خمسة أحزاب، فبعد انتهاء مجزرة الانتخابات كل حزب يخرج كل أسلحته للتفاوض للحصول من رئيس الحكومة على أكبر قسط من الوزارات ليعطيها للكواسر الذين ينتظرون في مقر الحزب، بعضهم عن استحقاق وكثير منهم عن غير استحقاق، وهنا يلعب الأمين العام للحزب لعبته.. يعطي هذا وزارة ويحرم ذاك.. يقبض من هذا بدعوى بناء الحزب، ويعد ذاك بأن الخير إلى الأمام. الوزيعة الوزارية أداة فعالة لتطويع مناضلي الوزارات، وعندما تتشكل الحكومة يفتح بازار السفراء والمديرين والكتاب العامين والمناصب السامية أبوابه، وبقية القصة تعرفونها.. فضائح بالجملة، ومشاكل لا تنتهي بين الوزراء حول الصلاحيات والمكاتب والميزانيات…

يجب إعادة النظر في نمط الاقتراع والعتبة وتقسيم الدوائر لنصل إلى الأغلبيات الواضحة، ونبتعد عن البلقنة، ويجب أن يضع قانون الأحزاب آلية ديمقراطية وفعالة لاختيار الوزراء من وسط الأحزاب، وألا يترك الأمر للحسابات الضيقة سياسيا والواسعة ماليا، والفاهم يفهم…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكومة بنكيران السمينة حكومة بنكيران السمينة



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib