توفيق بو عشرين
ثلاثة مواعيد مهمة على أجندة البلاد هذه السنة، ربحها يعني الكثير وخسارتها تكلف الكثير:
الموعد الأول هو COP22، حيث سيحج العالم إلى مراكش في أكبر قمة عالمية لفحص التزامات الدول الكبرى والصغرى إزاء توصيات باريس، وخريطة طريق الحفاظ على البيئة، وخفض حرارة الأرض، وتحسين سلوك البشر تجاه الطبيعة، التي تعرضت لتخريب الإنسان عبر نموذج اقتصادي أناني وغير أخلاقي.
وسيتطلب هذا الحدث من المغرب إعداد الفنادق، وسيارات نقل المشاركين إلى قاعات المؤتمر، وفضاءات الأوراش، وافتتاح المؤتمر واختتامه، بالإضافة إلى ثلاث مهام أخرى؛ أولاها استغلال هذا الموعد العالمي لتسويق نموذج المملكة السياسي، باعتبارها دولة مستقرة تتفاعل مع دينامية الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية، وتطلب شراكات حقيقية مع أوربا وأمريكا لإنجاح هذا الرهان.
وثاني مهمة يجب على المغرب إنجازها، أن يقدم نموذجا ملموسا لدولة من العالم الثالث، مهمومة بشؤون البيئة، وتصرف على الاعتناء بالطبيعة، وتضع مليارات الدولارات في مشروع الطاقات المتجددة، باعتباره مشروعا رائدا في هذا المجال على المستويين الإفريقي والعالمي.
أما المهمة الثالثة فهي ديبوماسية، تتطلب الانفتاح على أحزاب الخضر القوية في أوربا، المناهضة في مجملها للمغرب في قضية الوحدة الترابية، وإقناعها بتغيير سلوكها ونظرتها إليه، ومراجعة بعض الكليشهات التي تحملها إزاء هذه البلاد بما لها وما عليها.
الموعد الثاني
ويتعلق بإجراء ثاني انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد، وما يسمى تجربة الإصلاح في ظل الاستقرار. وهي موعد مصيري بالنسبة إلى كل الأطراف، وعلى جدول عملها توجد ثلاث مهام مصيرية؛ أولاها إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، وإبعاد شبح التزوير عن هذه الاستحقاقات، والمعيار هنا هو انتخابات2011. يجب أن تسهر الحكومة، ووزارة الداخلية في قلبها، على إجراء انتخابات أفضل من السابقة، وأن تضيق المجال على المال السياسي، وعلى تدخل بعض رجال السلطة لصالح هذا وضد ذاك. والمهمة الثانية التي يجب القيام بها في انتخابات أكتوبر المقبل هي الرفع من نسبة المشاركة، ووضع نسبة 60٪ هدفا يجب تحقيقه، لأن ذلك هو العنوان الأبرز على ثقة الشعب في قدرة المسلسل الانتخابي على إنتاج مؤسسات ذات مصداقية، ونخب جديدة، وسياسات عمومية جديدة، وحركية إصلاحية تعطي الأمل في التغيير. أما ثالث مهمة أمام الاستحقاق الانتخابي لأكتوبر المقبل فهي مصالحة الشباب مع السياسة، ودفع مليونين أو ثلاثة ملايين إلى الالتحاق بلوائح الاقتراع (هناك حوالي 15 مليونا مسجلون اليوم في اللوائح الانتخابية من أصل 26 مليونا يحق لهم التصويت).
الموعد الثالث الذي ينتظر البلاد في 2016 و2017 هو الجفاف، وتداعيات سنة فلاحية ضعيفة على اقتصاد البلاد، ونسبة النمو التي يرجح أن تتراوح بين 1,5% و2%، وهذا معناه بطالة أكثر، وصعوبات أكبر للفلاحين الصغار، ولمناطق مهمشة عدة ستجد نفسها محرومة من الماء الصالح للشرب، ولهذا فإن الحكومة مطالبة، أولا، بإعلان حملة تحسيسية واسعة لعقلنة استعمال الماء الذي نفد حوالي 40٪ من احتياطياته في السدود إلى غاية اليوم. ثانيا، الحكومة مطالبة بصرف إعانات عاجلة للفلاحين، وخاصة الكسابة، حتى لا يضطروا إلى بيع ماشية لا يجدون ما يطعمونها. وثالث مهمة أمام الحكومة في سنة عجفاء هي التحرك العاجل لخلق مناصب شغل جديدة تمتص جزءا من البطالة، المرشحة للزيادة نتيجة الجفاف الذي سيأكل ملايين ساعات العمل، ونتيجة ازدياد عدد الملتحقين بصفوف المعطلين كل سنة قادمين من الجامعات المغربية.
المواعيد الثلاثة كلها مصيرية وحساسة، ويقع إنجاز جزء منها على كاهل هذه الحكومة، ويقع الجزء الآخر على رأس الحكومة المقبلة، ولهذا يجب على المواطنين/الناخبين أن يحسنوا الاختيار، وألا ينساقوا وراء الأوهام، ويجب على الأحزاب السياسية أن تكون في مستوى هذه التحديات، وألا تركب على حصان الشعبوية أو رهان السلطوية، ويجب على القصر أن يهيئ المناخ الملائم لعبور البلاد إلى سرعة أكبر على طريق التحول الديمقراطي، ولخلق نموذج سياسي مغربي متميز في محيط إقليمي يغلي بالفتن والاضطرابات والحروب الأهلية، فالملكية في المغرب مازالت تلعب أدوارا استراتيجية بحكم الدستور وبحكم الواقع، بمقتضى النصوص وبمقتضى ميزان القوى…