توفيق بو عشرين
غضب المغرب من السويد أمر مشروع، وتحرك الحكومة والأحزاب السياسية والنقابات للتعبئة ضد قانون قادم من البرلمان السويدي يجبر حكومته على الاعتراف للبوليساريو بجمهورية فوق التراب الجزائري مطلوب، والبحث عن أماكن حساسة للضغط على الدولة السويدية للتراجع عن هذه الخطوة الحمقاء أمر جارٍ به العمل في مجتمع الدول الذي يتكلم لغة واحدة تقريبا هي المصالح، لكن عرقلة مشروع كبير مثل Ikea بالدار البيضاء يبلغ غلافه الاستثماري 50 مليون دولار بدعوى أن مؤسس الشركة مواطن سويدي فهذا أمر يحتاج إلى مناقشة هادئة وتريث سياسي يمكننا من معرفة أين نضع أرجلنا في معركة معقدة يتداخل فيها السياسي بالدبلوماسي بالاقتصادي بالإعلامي.
المغرب وجه إلى الآن ثلاث رسائل إلى السويد؛ الأولى جاءت باستدعاء السفيرة السويدية في الرباط، وإبلاغها غضب المملكة المغربية الشديد من تحركات البرلمان السويدي للتمهيد لإصدار قانون يقضي بالاعتراف بجمهورية الوهم الصحراوية، وأن الرباط مستعدة لاستعمال كل الوسائل للرد على هذا القرار الذي لا يخدم جهود الأمم المتحدة وكل الأطراف للتوصل إلى حل سلمي للنزاع في الصحراء متفاوض حوله. الرسالة الثانية تتمثل في استدعاء أحزاب الأغلبية، كما المعارضة، من قبل رئيس الحكومة إلى اجتماع طارئ للتعبير عن وقوف كل ألوان الطيف السياسي المغربي خلف الموقف الدبلوماسي الرسمي في هذا الموضوع، وأن القضية وطنية ليست فيها معارضة وأغلبية، وأن الجميع لديه موقف واحد. والرسالة الثالثة هي عرقلة افتتاح مشروع Ikea في الدار البيضاء، لتقول الرباط للسويد إن كل الأسلحة ممكنة في هذه المعركة، بما فيها الضغط على المصالح الاقتصادية السويدية في المغرب، وحتى تعطي إشارة للدول الأخرى بأن الرباط لن تتسامح في هذا الموضوع الحساس.
الذين يحكمون اليوم في السويد حزبان (الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي وحزب البيئة)؛ الأول يساري والثاني من الخضر، وهما معا كانا قبل سنتين في المعارضة، وهما من كان يضغط على الحكومة اليمينية السابقة لدفعها إلى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لكن الحكومة السابقة كانت تتحفظ على هذا القرار لاقتناعها بأنه يعقد النزاع أكثر، ويهدد مصالح السويد في المغرب. الآن الحزبان صارا في الحكومة، وأغلبيتهما في البرلمان متحمسة جدا للعودة إلى ملف الصحراء، خاصة أن شبيبة هذين الحزبين متأثرة جدا بالدعاية الجزائرية التي تصور نزاع الصحراء على أنه قضية حقوق إنسان وتقرير مصير، وأن الاعتراف بالدولة الصحراوية سيخرج الصحراويين من الجحيم إلى الجنة! وهذا تصور خاطئ وغير واقعي، ويغفل عن جذور المشكلة وتعقيداتها الإقليمية والدولية، لكن من سيقنع بهذا الأمر نواب الحزبين في البرلمان السويدي، ومن سيتحدث معهما ومن سيشتغل في الميدان لسنة وسنتين وعشرة حتى يجد آذانا صاغية… المغرب ترك الكرسي شبه فارغ منذ سنوات، حتى إننا لا نتوفر اليوم على سفير مغربي في استوكهولم، فمنذ تعيين السفير السابق، بوشعيب حضيه، واليا قبل سنتين وكرسي السفير فارغ هناك.
الآن يجب وضع خطة ذكية لتقليص الخسائر، أما جلب الأرباح فهذا متعذر الآن، للأسف الشديد، فإسرائيل، التي تتوفر على أكبر لوبي ضغط في العالم، لم تستطع السنة الماضية أن تثني البرلمان السويدي عن الاعتراف بدولة فلسطين. ورغم أن المقارنة لا تجوز بين ملف الصحراء وملف فلسطين، فإن هذا الأمر يوضح حجم الاستقلالية التي يتمتع بها البرلمان السويدي. الأساسي الآن هو الضغط على الحكومة السويدية من أجل حث البرلمان على عدم إصدار قانون يعترف بالجمهورية الصحراوية لصعوبة تطبيقه، وترك الأمر في حدود توصيات غير ملزمة.
علاقتنا بالسويد علاقة محدودة، وحتى إن أوقفنا كل شركاتها في المغرب فهذا لن يؤثر في اقتصادها، ولن يدفع البرلمان السويدي إلى مراجعة مواقفه من قضيتنا الوطنية، وربما يحرج الحكومة السويدية أكثر، ويصور كل تراجع لها في هذا الملف وكأنه خضوع للضغوط المغربية، لهذا وجب على الدبلوماسية المغربية أن تحرك أصدقاءها الذين لهم علاقات تجارية ومصالح كبرى مع السويد، وفي مقدمة هؤلاء دول الخليج (الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر). هؤلاء لهم علاقات قوية مع الشركات السويدية، ويستطيعون أن يضغطوا على حكومة ستوكهولم لتحد من اندفاع أغلبيتها في البرلمان، فهؤلاء لن يسمعوا سوى صوت يهدد مصالحهم مادامت آذانهم مملوءة بدعاية الطرف الآخر، في انتظار ترميم جهازنا الدبلوماسي العتيق، وإصلاح أحوال وزارة الخارجية التي لم تعد تسر صديقا ولا تغيظ عدوا…