بقلم توفيق بو عشرين
فتح مجلس النواب، يوم أمس، أبوابه لآخر دورة برلمانية قبل إسدال الستار على برلمان 2011. سيقول المؤرخون والدستوريون كلمتهم في حصيلة هذا البرلمان، وما إذا كان برلمان الربيع المغربي قد جسد اللحظة التاريخية التي ولد فيها، أم إنه كان عبئا على بلاد لم تحسم بعد الركن الرابع من ثوابتها الدستورية (الإسلام، الملكية، الوحدة الترابية، ثم الاختيار الديمقراطي).
وإلى أن يصدر الحكم على التجربة البرلمانية التي تنتهي في أكتوبر المقبل، لا بد من أن نهمس في أذن السادة والسيدات النواب والنائبات، بكل احترام وود، ونقول لهم: جربوا أن تقولوا لا للحكومة في لحظات الغروب الأخيرة. جربوا أن ترفعوا صوتكم بالحقيقة في سماء ملبدة بالحسابات الضيقة والنفاق السياسي. جربوا أن تتصرفوا كممثلين للأمة لا كأزرار في «تلكوموند» الأغلبية أو المعارضة. جربوا أن تكونوا شهود حق على مرحلة دقيقة من تاريخ بلدكم، لا شهود زور. جربوا أن تبتعدوا عن ثقافة الإجماع فهي مضرة بصحة البلد وتعدديته، فالأصل في الديمقراطية هو الاختلاف وليس الإجماع. جربوا أن تقولوا لبنكيران وحصاد ولشكر إن تخفيض العتبة الانتخابية من ٪6 إلى ٪3 قرار خاطئ وخطير، وهو مؤشر على تراجع ديمقراطي مريع، ففي جميع البلدان الديمقراطية ونصف الديمقراطية تصل العتبة إلى ٪8 و٪10 وطنيا، والعتبة الانتخابية لا يمكن أن تكون موضوع بيع وشراء وترضيات وحسابات ضيقة، وحلول خاصة لأحزاب معطوبة. العتبة هي الوسيلة الوحيدة للتوفيق بين التعددية والعقلنة، بين الحق في تأسيس الأحزاب وواجب عدم بلقنة المشهد الحزبي والسياسي. كنا ننتظر من الأغلبية ومن وزارة الداخلية أن ترفعا من العتبة في الانتخابات المقبلة لمنع استعمال المال والبيع والشراء في التزكيات، وعوض أن ترفع الحكومة العتبة وتجعلها وطنية إذا بها تخفضها إلى مستوى مخجل بهدف إغراق البرلمان بعدد كبير من الأحزاب، وتعقيد إمكانية تشكيل الحكومات المقبلة، وضرب فرصة إنشاء أقطاب سياسية واسعة تفرز حكومة منسجمة ومعارضة قوية.
أيها السادة البرلمانيون، سلطة التشريع بأيديكم فلا تبيعوها إلى الحكومة، ولا تعطوها لبنكيران الذي يعرف الجميع أنه مفاوض سيئ، وأنه لا يتوفر على طول النفس، كما أن انحيازه إلى الإصلاحات الديمقراطية العميقة ضعيف، فهو مازال مسكونا بهاجس التطبيع، ومع قرب الانتخابات يصبح مسكونا بهاجس التطمين، وبعد الانتخابات يصبح مشغولا بهاجس كسب الثقة، وهكذا دواليك حتى يستهلك زمن الإصلاح القصير أصلا في بلاد تعاند التغيير، وتغير كل شيء حتى لا يتغير فيها شيء.
أيها السادة البرلمانيون، لقد أضعتم، في الأربع سنوات ونصف السنة الماضية، الكثير الكثير من الزمن السياسي والتشريعي والرقابي، وتنازلتم عن حقكم في اقتراح قوانين تنظيمية بتفسير سلطوي من حكومة اعتبرت أن هذه الفصيلة من القوانين حكر على المبادرة التشريعية للحكومة دون البرلمان، وتنازلتم عن حقكم في تشكيل لجان لتقصي الحقائق، رغم أن الدستور جعلها أقل تعقيدا من السابق، وحتى لجنة تقصي الحقائق الوحيدة التي شكلتموها بخصوص فيضانات كلميم اختلفتم حول رئيسها، وكان مآلها من مآل الذين قضوا في نكبة الفيضان.
أيها السادة الموقرون، أنتم لم تتنازلوا فقط عن صلاحياتكم البرلمانية، بل تنازلتم عن كرامة زميل لكم ضربه البوليس في الشارع العام في «تأويل ديمقراطي لمكانة نائب الأمة في المغرب وشكل علاقة التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية» ولم تصدر إلى الآن نتائج التحقيق الذي وعدت به وزارة الداخلية، وتنازلتم عن مراقبة الحكومة في الكثير من الملفات الجدية والخطيرة، وفضلتم أن تعيشوا على إيقاع «معارضة صاحب الجلالة»، كما نظر لها الرفيق إدريس لشكر، وهي معارضة تعارض الحكومة وتوالي الحكم.
أيها السادة البرلمانيون، أغلبية ومعارضة، لقد غاب نصفكم عن أعمال مجلس النواب وأشغال لجانه، وعن مناقشة القوانين المالية والقوانين التنظيمية… فبعد استقبال ملكي في منتصف الولاية التشريعية، خرجتم بتأويل عبقري لجملة عابرة، واتخذتم قرار غلق أشغال اللجان البرلمانية في وجه الصحافيين.. هذا منجز كبير سيحسب لكم، لا محالة، يوم العرض على الناس وعلى الله.
أيها الفضلاء، لقد تنازلتم عن حقكم في عقد جلسة سنوية لتقييم السياسات العمومية، كما ينص على ذلك الدستور، وتنازلتم عن حقكم في مناقشة تقارير هيئات الحكامة التي عرضت أمامكم (تقريرا الأزمي وجطو)، وانشغلتم في مناوشات البام والاتحاد مع بنكيران الذي حول البرلمان إلى منبر للخطابة، ومنصة لقصف التحكم وحزب التحكم، دون ذكر قفشات «ديالي أكبر من ديالك»…
أيها السادة المحترمون، لقد تحول برلمان الفايسبوك ومواقع النيت إلى مؤسسة أهم من مؤسستكم الموقرة التي تكلف ميزانية الدولة 43 مليار سنتيم كل سنة، دون أن تعطينا ما نعتقد أنه مقابل معقول لهذا التمويل العمومي لمؤسسة هي بمثابة صرح للديمقراطية… يقول مثل روسي قديم: «الذي يخجل من معلمه لا يتعلم، والذي يخجل من زوجته لا ينجب الأولاد».