توفيق بو عشرين
انعقاد منتدى كرانس مونتانا في مدينة الداخلة، ورسالة الملك محمد السادس إلى إفريقيا من على منبر هذا المنتدى الذي حضرته وفود أكثر من 102 دولة، حدث يستحق الاهتمام والتنويه. لماذا؟
أولا: لأنه ينعقد في الصحراء، ويعطي مثالا عن كيف يمكن أن تتحول المناطق المتنازع عليها إلى فضاءات للحوار بالكلمات والأفكار والمشاريع، وليس فقط بالسلاح والحروب الباردة والساخنة. الداخلة اليوم تثبت للعالم أنها تستطيع أن تكون منتجع دافوس صحراوي لعقد الندوات وأوراش التفكير في القضايا الكبرى للعالم. وتستطيع الداخلة، بما وهبها الله من خصائص جغرافية ومناخية وبشرية، أن تكون منطقة حرة للتبادل الاقتصادي، وميناء مغاربيا يطل على الأطلسي. هذا يفتح المجال لإعادة إحياء مقترحات قديمة طرحت على جيراننا الجزائريين، الذين يدعمون مشروع انفصال الصحراء عن المغرب، لا لشيء سوى ليحصلوا على إطلالة استراتيجية على الأطلسي. طيب، وماذا لو وصلتم إلى هدفكم بلا حروب ولا انفصال ولا زعزعة للاستقرار… تفضلوا أيها الجيران، يمكننا أن نصنع من الداخلة هونغ كونغ جديدة، أو منطقة دولية على غرار ما كانت عليه طنجة قبل استقلال المغرب، وأن تفتح الأبواب للجزائريين ولغيرهم لامتلاك ميناء لتصدير الغاز والبترول من الداخلة، وربط هذه الأخيرة بآبار النفط الجزائرية، ولإقامة أبناك ومؤسسات مالية وشركات ومصانع وبزنس على قاعدة «رابح رابح» للجميع. هذا سيخلق فرص تعايش حقيقية في منطقة متوترة، وسيخلق فرص عمل وإمكانات كبيرة لتغيير العقليات القديمة. هكذا بدت لي الداخلة وهي تفتح ذراعيها لضيوفها في نادي كرانس مونتانا أول أمس…
ثانيا: هذا المنتدى أظهر حقيقة غابت عن أذهاننا، وهي أن إسبانيا مازالت جارا بعيدا، ومازالت رواسب الماضي عالقة في ذهنها. لقد شن اليمين واليسار والحكومة ووزير خارجية مدريد حملة على الرفيق ثاباتيرو، رئيس وزراء إسبانيا السابق، لأنه قبل المشاركة في منتدى عالمي في الداخلة، ووصل التهور وقلة الحس الدبلوماسي بوزير الخارجية الإسباني، غارسيا مارغايو، إلى حدود تعبيره عن رفضه مشاركة رئيس وزراء إسبانيا السابق في هذا اللقاء، حيث قال في مؤتمر صحافي أول أمس: «لقد تلقيت رسالة من ثاباتيرو يخبرني فيها بأنه سيشارك في منتدى دولي في مدينة الداخلة، الشيء الذي رفضته»، يقول غارسيا مارغايو، متسائلا: «كيف يمكن لثاباتيرو المشاركة في منتدى رفض من قبل الاتحاد الإفريقي لأنه يتعارض مع جهود المجتمع الدولي لحل النزاع في الصحراء؟».
كلام مارغايو يتطلب ردا قويا وواضحا من قبل صلاح الدين مزوار، وهي مناسبة لوضع النقط على الحروف، خاصة أن وزير خارجية إسبانيا تخلى عن كل حس دبلوماسي، وقال للصحافيين: «اسألوا قيادة الحزب الاشتراكي عن سفر ثاباتيرو للمشاركة في منتدى غير مرخص له ولا يساهم في إيجاد حل سياسي وعادل لقضية الصحراء».
كنت أعتقد أن إسبانيا، والحزب اليميني فيها، قد تخليا عن نظرتهما إلى قضية الصحراء، وإلى دور الاستفزاز الذي كان يلعبه الحزب اليميني في نسخته «الأزنارية»، لكن يبدو أن شيئا من هذا لم يتحقق، وأن إسبانيا بلعت لسانها الطويل إزاء الصحراء تحت ضغط الأزمة الاقتصادية، وحاجتها إلى خدمات المخابرات المغربية التي تتعاون مع الإسبان لحماية أمنهم من الخلايا الإرهابية النائمة والمستيقظة على أراضي شبه الجزيرة الإيبيرية… أمر مؤسف أن ترى مدريد في مشاركة رئيس حكومتها السابق في ندوة بمدينة الداخلة عرقلة لإيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء. طيب، ولماذا لا ترى حكومة راخوي أن البواخر الإسبانية التي تصطاد في المياه الدافئة للأقاليم الصحراوية عرقلة لإيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء؟ هذا نفاق ممجوج ولعب على أكثر من حبل، سينتهي نهايات غير سعيدة بالنسبة إلى المصالح الكبرى لإسبانيا في المغرب.
ثالثا: خبر انعقاد منتدى عالمي في الداخلة يعطي صورة عن الأقاليم الجنوبية غير تلك الصور النمطية التي اعتدناها في الإعلام عن جولات روس الفاشلة، وعن تقارير الأمم المتحدة، وعن تظاهرات الصحراويين أتباع البوليساريو، وعن أخبار الرفيق بلفقيه في قيادة كلميم التي تغلي هذه الأيام… لقاء كرانس مونتانا يعطي أخبارا جديدة وصورة جديدة للمنطقة التي تزخر بمؤهلات كبيرة، والتي لا يمكن أن تنتظر الحل الذي يأتي أو لا يأتي. على المغرب أن ينتقل إلى صيغة الحل من طرف واحد، وأن ينزل مشروع الحكم الذاتي في الصحراء على الأرض، وأن يعطي الدليل العملي على أنه جاد في موضوع الحل السياسي لنزاع الصحراء، وأنه ملتزم بإدارة ديمقراطية عصرية وحقوقية وتشاركية مع أبناء المنطقة التي لها خصوصية تاريخية وسياسية وقبلية معقدة. لننزل مشروع الحكم الذاتي، ونترك الباب مفتوحا للطرف الآخر ليلتحق، وليتأكد أن هناك نية سليمة هنا حتى في وجود نية سيئة هناك…