الجواهري يفسد فرحة بنكيران

الجواهري يفسد فرحة بنكيران

المغرب اليوم -

الجواهري يفسد فرحة بنكيران

توفيق بوعشرين

على بعد أسابيع من الانتخابات الجماعية، تلقت حكومة عبد الإله بنكيران صفعة من يد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، الذي قدم تقريره السنوي بين يدي الملك يوم الجمعة الماضي، واضعا يده على الأماكن الحساسة في الاقتصاد الوطني وأعطابه، في الوقت الذي كان بنكيران مسرورا بنسبة 5٪ من النمو هذا العام، وتخفيض نسبة العجز بأكثر من نقطتين، وتقليص حجم صندوق المقاصة، علاوة على دخول «بيجو سيتروين» إلى القنيطرة، وهكذا تطرق التقرير السنوي لبنك المغرب إلى جملة من الاختلالات التي طبعت 2014، أهمها:
ازدياد معدل البطالة في الثلاث سنوات الأخيرة 2012 و2013 و2014، خاصة في أوساط الشباب وسكّان المدن، حيث إن أربعة من كل عشرة شبان في الوسط الحضري عاطلون عن العمل.

هذا رقم مفزع، وهو يعني أن معدل البطالة وسط الشباب في المدن هو 40٪، في حين أن المعدل الوطني هو 9.2٪، وهذا يكشف المِحنة التي يوجد فيها الشباب المغربي، أو ما يعرف بالكتلة الحرجة في المجتمع. للأسف، الحكومة لم تولِ أهمية كبيرة لملف التشغيل قدر اهتمامها بإصلاح عجز الميزانية من خلال تخفيض نفقات صندوق المقاصة، ولا بحثت عن حلول غير تقليدية للنزول بمعدل البطالة، بل ركنت إلى الكليشهات نفسها التي طبعت التفكير في هذا الأزمة من قبل الحكومات المتعاقبة، وأعني تفويض التشغيل للقطاع الخاص من خلال الاستثمار الداخلي والخارجي. الذي وقع أن القطاع الخاص لا يستثمر في المجالات والقطاعات التي تَخلق مناصب شغل كبيرة، بل يتجه إلى القطاعات التي تدر أرباحا كبيرة وفي وقت قصير، مثل اقتصاد الخدمات (العقار والاتصالات والأبناك والتأمين والسياحة…)، أما الصناعة الثقيلة التي تخلق فرص عمل أكبر وقيمة مضافة أفضل، فإن الرأسمال المغربي يهرب منها لأنها تتطلب جهدا ووقتا ومخاطرة أكبر على المستوى الذاتي، أما على المستوى الموضوعي، فإن الاستثمار في الصناعة يواجه عراقيل كبيرة مثل تدني مستوى التعليم، وغياب الكفاءات التي تمتلك التكوين الملائم، علاوة على عدم مرونة قانون الشغل الذي يجعل زواج المقاولة بالعمال زواجا كاثوليكيا، وإذا حصل الطلاق، أي التسريح من طرف رب العمل لأسباب موضوعية، فإن المقاولة تضطر إلى دفع مبالغ كبيرة للعامل، ما يجعل صاحب المقاولة يفكر ألف مرة قبل توقيع عقد شغل مع أي عامل، هذا، علاوة على المزاج المتوتر للنقابات التي لا تتفهم إكراهات الاستثمار في هذا المجال، وتعمد إلى استعمال سلاح الإضراب بشكل عشوائي، وفي بعض الأحيان بطريقة إجرامية تنتهي بقتل المعمل أو الشركة ومعها الآلاف من مناصب الشغل.

مشاكل الشغل، إذن، موجودة في النموذج الاقتصادي المتبع في المغرب، وفي التعليم المعطوب، وفي الريع المستحكم، وفي طرق اتخاذ القرار البطيء (مبادرة رئيس الحكومة لتفعيل برنامج التكوين المؤدى عنه من أجل إعادة تأهيل المعطلين لدخول سوق الشغل من جديد، وتخصيص منحة لهم استغرق أكثر من سنة نظرا إلى تعقد المساطر وكثرة المشاورات، والحساسية التي تحيط بالملف الاجتماعي بالمغرب، وتجعل أي حكومة مكبلة بتهمة استغلال هذا الملف انتخابيا!).

ثاني مشكل وضع والي بنك المغرب يده عليه هو مشكل الاستثمار الداخلي والخارجي، الذي تعول الدولة عليه، فبالنسبة إلى الاستثمار العمومي الذي يتجاوز 80 مليار درهم سنويا، وهو من أعلى معدلات الاستثمار العمومي في العالم، بالنظر طبعا إلى ميزانية البلد وإمكاناتها المتواضعة، فإن هذا الاستثمار الذي تقوم به الدولة لا يعطي الثمار المرجوة منه سواء في ما يتعلق بالنمو أو خلق مناصب الشغل.. والسبب هو أسلوب التدبير وغياب الحكامة، وافتقار الدولة إلى آليات تقييم السياسات العمومية. إن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، التي تصدر كل سنة، لا تقف حتى على 10٪ من الفساد والاختلالات والتلاعبات بالمال العام في الإدارة والمؤسسات العمومية والشركات التابعة للدولة. وهكذا، عِوَض أن تساهم استثمارات الدولة في إنعاش سوق الشغل، فإن إمكانات كبيرة تهدر لأن المال العام هو البقرة التي يسهل حلبها اليوم دون تعب ولا مخاطرة ولا خوف من المحاسبة.

أما الاستثمار الخارجي الذي تضرب له الحكومات في المغرب السلام وتعزف له الأناشيد، وتمنحه امتيازات ضريبية وأراضي مجانية دون حذر ولا تمييز، فاسمعوا ماذا يقول عنه والي بنك المغرب: «يظل السؤال مطروحا حول مدى مساهمة الاستثمارات الأجنبية في النمو والتشغيل، في الوقت نفسه بدأ تحويل الأرباح إلى الخارج يؤثر بشكل ملموس على ميزان الأداءات، حيث بلغ سنة 2014 ما يناهز 15 مليار درهم، في حين وصلت تدفقات الاستثمارات إلى 36 مليار درهم. وإذا كان تشجيع هذه الاستثمارات أمرا ضروريا، فإنه يتعين في الوقت نفسه تقييم ما يمنح لها من تحفيزات، وذلك بناء على تحليل دقيق لكلفتها وفائدتها. ويعتبر الانتعاش الذي يشهده قطاع صناعة السيارات مثالا في هذا الصدد، فعلى الرغم من النجاح المشهود فإن تأثيره وإسهامه في الاقتصاد الوطني محدود بالنظر إلى ضعف معدل اندماجه».

الخلاصة هي أن البلاد مازالت تحتاج إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى، وإلى حكومات قوية، وإلى جرعة من الديمقراطية كافية لخروج المملكة من مسلسل الانتقال الذي لا يريد أن ينتهي… أربعة شباب عاطلين من كل عشرة في المدن رقم يجب أن يطرد النوم من رؤوس الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجواهري يفسد فرحة بنكيران الجواهري يفسد فرحة بنكيران



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib