الإهانة

الإهانة

المغرب اليوم -

الإهانة

توفيق بوعشرين

الدول والمجتمعات، كما الأفراد والجماعات، يشعرون بالمهانة، ويحسون بطعم الذل، وعندها ينفجر بداخلهم عنف رهيب، لا يتوقعه أحد. الدول والمجتمعات، كما الأفراد، تسعى إلى الانتقام، وفي سعيها هذا، غالباً ما تدمر نفسها، وتدمر الآخرين، لأن المهانة والذل لا يتركان مكاناً للعقل ولا للفكر ولا للعدالة ولا للقانون.

اتفاقية فرساي المشؤومة سنة 1919 هي التي خلقت النازية، وعلى ضفاف الذل الذي شعر به الألمان، بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، نبت هتلر وتبعته أمة عريقة من الألمان إلى حتفها الأخير، هي وملايين البشر الذين قُتلوا في الحرب العالمية الثانية. لو علم ذلك الذي كتب المسودة الأولى لاتفاقية الذل في قصر فرساي، أن هذه الوثيقة ستأتي على أرواح ملايين البشر، لما تحركت يداه لكتابة بنودها المجحفة في حق الألمان.

لو فكر الحاكم الأمريكي، بول بريمر، ساعة واحدة، قبل حل الجيش العراقي «العلماني» والجيد التدريب، لما دفع آلاف الضباط العراقيين إلى صفوف القاعدة، ثم داعش الآن، ولما أعطى التطرفَ سلاحاً فتاكاً، يعجز العالم عن مواجهته الآن. ماذا سيفعل جندي عندما تحتل بلاده وتهان أمته وتستباح كرامته وتهدد أسرته؟ إنه لا يعود بعدها يفكر في شيء، يحمل أي سلاح يجده في طريقه للانتقام لشرفه.

لو فكرت إيران وحكومة نوري المالكي ومليشيات التنظيمات الشيعية في الوحدة الوطنية، وفي خطورة الطائفية، لما عمدت إلى تقسيم العراق إلى سني من الدرجة الثانية، وشيعي من الدرجة الأولى، ولما وضعت بيضها كله في سلة طهران، وها نحن نرى، اليوم، ثمار ما زرعته هذه السياسة، وما أدى إليه القتل على الهوية في العراق. قطاعات واسعة من سنة العراق تقبل الآن بداعش وهمجيتها وبربريتها، ليس حبّاً فيها، ولكن، انتقاماً من إيران وحلفائها في العراق الذين جاؤوا على ظهر دبابة الاحتلال، للانتقام من صدام، فأصابوا العراق في مقتل.

عندما رفض الاتحاد الأوروبي عضوية تركيا في ناديه المسيحي المغلق، شعر الأتراك بالإهانة، فاتجهوا إلى التصويت لحزب إسلامي معتدل، في بلد علماني، كان حكامه يحاربون الدين ورموزه. لو لم يرفض الاتحاد الأوروبي دخول تركيا المسلمة إلى بيت أوروبا القوي والغني، ما كان الأتراك سيعطون حزب العدالة والتنمية كل هذا الوزن الانتخابي على مدار 14 عاماً. ومن حسن حظ الأتراك أن أردوغان لم يكن زعيماً قومياً متطرفاً، وإلا لكانت سياسته اتجهت إلى تقوية الجيش، وإلى التحريض على الغرب وثقافته وحضارته. الشعوب لا تهان، وعندما تشعر بالإهانة، لا أحد يمكنه أن يتوقع ردود فعلها.

لا يوجد حل سحري بعد أن يخرج مارد الكراهية من القمقم.. الحوار يجب أن يسبق الإهانة، والسياسة يجب أن تسبق العنف، والشراكة يجب أن تحل محل الإقصاء، وتوزيع الثروات والسلطات، ولو بطرق غير متساوية، أفضل من أخذ كل شيء، ثم خوض حرب شاملة تأتي على كل شيء.

الأرض والسلطة والثروة والامتيازات التي نحصل عليها بالقوة، ونضطر إلى خوض الحروب الدائمة من أجل حمايتها، أشياء ليست لنا.. الملكية الحقيقية لأي شيء تتحقق باعتراف الآخر لك بحيازته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإهانة الإهانة



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib