بقلم : توفيق بو عشرين
العالم الرقمي في المغرب يغلي، والناس يتهكمون على «خدام الدولة» الذين اغتنوا على ظهر الملك الخاص للدولة، بحيازة أراض في أحياء راقية بأثمنة رمزية.. سياسيون ومستشارون ووزراء وولاة، وشخصيات عمومية مدنية، وعسكريون ودبلوماسيون مغاربة وإماراتيون، وزعماء أحزاب وتقنوقراط من حزب مدرسة الطرق والقناطر الذي أسسه مزيان بلفقيه… كل هؤلاء اختاروا أن يشيدوا فيلات فسيحة على حساب الملك العمومي اشتروها بأثمنة بخسة دون مزاد علني ولا تقييم موضوعي، أخذوا أرض الدولة التي تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ولا القانون ولا المحاسبة ولا التاريخ.
منذ ثلاثة أيام وجزء من نخبة الدولة يتعرض للجلد والنقد والتهكم في وسائل التواصل الاجتماعي ومنابر الصحافة الإلكترونية التفاعلية، وكلما اتسعت لائحة المنعم عليهم بأراضي خدام الدولة، ازداد الاحتجاج، واتسعت النقمة، وتعمق الإحساس بالحكرة في نفوس الناس الذين يرون النخب التي تحكم تسبَحُ في بركة الريع، باسم خدمة الدولة، وكأن خدام الدولة هؤلاء صاروا مواطنين من درجة أعلى، وصاروا فوق القانون والمنطق والعدل، وعوض أن يطوق وزيرا الداخلية والمالية هذه البقعة من الزيت التي تتسع كل يوم، وعوض أن يطفئا النار، ويعلنا إلغاء صفقة بيع والي الرباط الفتيت أرض الدولة بثمن بخس، ومراجعة أثمنة باقي المستفيدين، خرج الوزيران الحاليان، الواليان سابقا، ببيان كارثي يدافع عن الوالي الفتيت، ويسيس الموضوع، ويختبئ وراء الملك الراحل الحسن الثاني، ويرمي الكرة في ملعب بنكيران، فازدادت حرارة الاحتجاج وسط الرأي العام، وازداد الإحساس بأن دولة «الكيلومتر 9» لا تبالي بشيء اسمه الدستور الذي يمنع تضارب المصالح والاغتناء غير المشروع، وأن دولة «الكيلومتر 9» لا تعترف بشيء اسمه الحكامة الجيدة واحترام دولة الحق والقانون، وأن دولة «الكيلومتر 9» هي التي تضع المراسيم التي تخدمها، وتجمد تلك التي لا تخدمها، واللي «دوا يرعف»، وكل موقع أو جريدة أو صحفي نشر وثيقة كانت موضوعة في الموقع الرسمي للمحافظة العقارية ستوضع في خانة المنابر التي تدور في فلك الحزب المعلوم، والتي تشعل أعواد الكبريت في صيف قائظ.
انتشرت تعليقات وهاشتاغات عديدة ساخرة على مدى الأيام الماضية أنقل بعضها لعلي أقرب الصورة أكثر إلى عقول خدام الدولة المخدرة بمفعول السلطة: «هل اشتريت أرضا في طريق زعير؟»، «أين الثروة؟ إنها في الكيلومتر 9»، «لا أطلب غير 50 مترا من الأرض من الدولة بثمن 350 درهما. التوقيع خادم الدولة المطيع»، «علاش ما تزيدوش صفة خادم دولة لكبار المسؤولين في البطاقة الوطنية؟ هكذا سنعرف أنهم عايشين فابور على ظهر الشعب»، «هل هذه دولة أم مزرعة؟»، «القانون عندنا يعزف عليه من يملكه.. انتهى الكلام»، «إدريس لشكر قال إنهم نادوا علي لأخذ 3200 متر مربع بـ350 درهما للمتر.. ونداء هذا، وعلاش اخاي ماندوش عليا أنا؟ ولا حيت وزير المالية آنذاك مشي من قبيلتي»، «يشتغلون بأعلى الأجور ويشترون بأبخس الأثمان»، «البحث عن متغيبين في طريق زعير، الرميد وجطو»، «رئيس الحكومة ينادي عيطو على الدولة؟ شكون فيهم أبنكيران؟»، «ربط المسؤولية بالمحاسبة سقط سهوا من الدستور»، «قريبا ستنطلق مسيرة بيضاء لتحرير أراضي خدام الدولة»، «ارا برع، هادو غير خدامين وشنو كيخدو لمعلمين»…
أستطيع أن أملأ كتابا كاملا بتعليقات المواطنين التي تكشف مشاعر الناس المجروحة من ديوان الريع المفتوح أمام كبار المسؤولين في الدولة، والذين لم يشعروا بأن البلاد تغيرت، والمغربي تغير، وثقافته تغيرت، وأن وسائل الاتصال في جيبه سلاح خطير، وخوفه أصبح من الماضي… وهو لا يطلب أقل من أن يعامل كمواطن له حقوق وعليه واجبات في بلاد القانون فيها سقف يغطي الجميع.
بنكيران اختار الصمت، ووقف يتفرج لأن حكومته انفرط عقدها، وصار الوزراء يطلقون النار على بعضهم البعض علانية في بيانات، وأوصى مناضلي حزبه بالصمت، وترك خدام الدولة أمام مصيرهم، فهم لم يكتفوا بأنهم ورطوا حكومته في فضيحة كبيرة، بل سعوا إلى مسحها في بيته، واتهامه بالوقوف خلفها لأسباب انتخابية، ولهذا فإن بنيكران يفرك يديه الآن، ويستعد لقطف ثمار هذه الشجرة يوم الجمعة 7 أكتوبر.. «وشوف عبقرية هاد الدولة العميقة دخلت صبعها في الساقطة، وسدت عليه وبدأت تصرخ طلبا للنجدة».
عندما تصير نخبة البلد في قفص الاتهام فلا بد أن يمتلك أحد الجرأة ليخرج للناس ويصارحهم بالحقيقة، ويهدئ من روعهم، ويتخذ الإجراءات الواجب اتخاذها، والقرار اللازم مهما كان قاسيا لإرجاع الهيبة إلى الدولة، وليس إلى خدامها الذين ورطوها في واحدة من أسوأ الأزمات، عندما خرجوا لإعطاء والي الرباط شيكا على بياض، جاعلين منه الشجرة التي تخفي الغابة… الآن نعرف أنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم من وراء ظهر ابن الدريوش، الذي قاده الجشع إلى واحدة من أكبر الورطات التي يمكن أن يسقط فيها مسؤول أو خادم من خدم الدولة.