بقلم : توفيق بو عشرين
من نصح وزيري الداخلية والمالية بكتابة بيان «خدام الدولة» ليلة الأحد إما جاهل بفن التواصل وقواعد التعامل مع الرأي العام، وإما أنه صاحب نية سيئة كان يسعى إلى توريط حصاد وبوسعيد في مشاكل سياسية مع المغاربة الغاضبين من صفقة الوالي لفتيت.
أما الذين يريدون دليلا ملموسا على هذا الكلام، فما عليهم إلا الاطلاع على مئات الآلاف من التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. حتى تلك المواقع القريبة جدا من السلطة لم تجد بدا في نشر تعليقات الجمهور الغاضب من تبييض الداخلية والمالية لصفقة «350 درهما للمتر مربع من الأرض»، ولهذا كان بنكيران ذكيا حينما أمر، بعد ساعة من خروج بلاغ الداخلية، مناضليه بالتزام الصمت، وعدم التعليق على مضمون البيان الذي كان كاتبه يريد أن يقطر الشمع على حزب العدالة والتنمية، فإذا به يحرق نفسه، ويورط الجهة التي أوحت إليه بهذا الخروج غير الذكي تماما.
بلاغ الداخلية والمالية ارتكب أخطاء عدة:
أولا: البلاغ سيس موضوعا قانونيا، وهربه إلى ساحة البولميك عوض أن يبقيه في خانة القانون، ولهذا أعطى الانطباع بأن وزارة الداخلية، بإقحامها للانتخابات والحملات السابقة لأوانها في الموضوع، تتصرف كحزب سياسي يضرب ألف حساب للأصوات الانتخابية واتجاهاتها، والحال أنها وزارة، نظريا على الأقل، تقنوقراطية، وليست طرفا في الصراع السياسي بين الأحزاب.
ثانيا: حصاد وبوسعيد، وكلاهما واليان سابقان، حاولا، من خلال البلاغ، إنقاذ زميلهما الوالي الفتيت، لكنهما حولا القضية من خطأ موظف يمكن إصلاحه، إلى خطأ دولة يصعب إصلاحه. لقد اختار الوزيران إضفاء الحصانة والرعاية على الوالي الذي خرق القانون، وحاز 3755 مترا مربعا بثمن 350 درهما للمتر المربع في أغلى حي بالرباط، وبالتالي، وضعا نفسيهما في خانة من يحمي الريع ويقف في وجه غضب الناس… رجال الدولة هم الذين يتحملون أخطاء الدولة، لا الذين يلقون بأخطائهم فوق ظهر الدولة.
ثالثا: ارتكب حصاد وبوسعيد، ومن قدم لهما هذه الفتوى، خطأ إقحام حزب العدالة والتنمية، والمنابر الإعلامية التي تدور في فلكه -على حد تعبير البلاغ- وهو تعبير قديم ومبتذل، أعطى هدية ثمينة لبنكيران وحزبه، وعلى هذا الأخير أن يشكر وزيريه في الحكومة، فأن يكون المصباح وأذرعه الإعلامية من يقف خلف هذه الضجة الكبرى التي حركت ملايين المغاربة ودفعتهم إلى الاحتجاج على الوالي/المقاول، وصفقته المشبوهة، فهذا شرف لهذا الحزب، واعتراف بقوته ونجاعة «من يدور في فلكه»، أما الحقيقة فهي أن الناس، من كل الاتجاهات والانتماءات والعناوين، انتفضوا عندما اطلعوا على عقد بيع الأملاك المخزنية أرضا مساحتها 3755 مترا مربعا لوالي الرباط-سلا-القنيطرة بثمن مليون و400 ألف درهم، فيما القيمة الحقيقية لهذه الأرض اليوم هي مليار و700 مليون، حسب تقييم إدارة الضرائب. فبإلقاء نظرة خاطفة على المنابر الإلكترونية التي كانت سباقة إلى نشر الخبر، سنجد أن جلها ممن يناصب بنكيران وحكومته العداء أو من يقفون على مسافة من تأييدها، وهذا مما يمكن التأكد منه بنقرة زر على «الحاج غوغل»، أما الذين علقوا على الموضوع في الفايسبوك فسنجد أيضا اليساري واليميني والوسطي والإسلامي والأمازيغي والفوضوي والليبرالي، والأغلبية غير المنتمية إلى أي حزب أو تيار إيديولوجي محدد، أما حكاية الحزب ومن يدور في فلكه فهذه «شماعة قديمة» تحتقر ذكاء المغاربة، وقد ردوا عليها بالتهكم والسخرية.
الآن لنمر إلى «الصح».. هل قرار بيع قطعة الأرض، البالغة مساحتها 3755 مترا مربعا في طريق زعير، من قبل إدارة الأملاك المخزنية قانوني بغض النظر عن الملك الذي صدر في عهده هذا المرسوم أم لا؟، والتعليل كالتالي: أولا، المرسوم الذي تحتج به الداخلية لإضفاء الشرعية على عقد البيع، أي المرسوم عدد 295841 الصادر يوم 26 دجنبر 1995، غير منشور وإن وجد فقد نسخه المرسوم الذي لم تأتِ الداخلية على ذكره وهو المرسوم الملكي رقم 202185، الصادر في 5 مارس 2002، المتعلق بسن نظام عام للمحاسبة العامة، وفيه نجد شروط تفويت الملك الخاص للدولة في الفصل 82 الذي ينص بصريح العبارة على التالي: «يباشر بيع العقارات من ملك الدولة الخاص عن طريق المزاد العلني… (أسطر على المزاد العلني) ويمكن بيع ملك الدولة الخاص بالتراضي بموجب قرار للوزير المكلف بالمالية لفائدة الجماعات المحلية والمؤسسات والمقاولات العامة، والملاك على الشياع مع الدولة، والأشخاص الطبيعيين أو المعنويين قصد إنجاز مشروع استثماري»، إذن، طريقة بيع العقار كانت غير قانونية لأنها لم تتم عن طريق المزاد العلني، ذلك أن المرسوم لا يسمح بالبيع الرضائي سوى للجماعات والمؤسسات العمومية أو للأشخاص الذاتيين الذين يقيمون استثمارات أو مشاريع اقتصادية أو تجارية أو سياحية مدرة للدخل وللضريبة وللشغل، ووفق دفتر تحملات واضح، والحال أن خادم الدولة الأعظم في الرباط اشترى الأرض للسكن دون مزاد علني، ودون حتى لجنة تقويم، إذن، بأي حق باع جواد البواخري، ممثل المديرية الجهوية لأملاك الدولة، عقار الدولة دون مزاد علني للوالي الفتيت؟ وكيف سجلت مصالح الإدارة هذا العقد الذي يفتقر ممثل أملاك الدولة إلى صلاحية التوقيع؟ وعلى أي أساس ستنقل المحافظة العقارية ملكية العقار من الملك الخاص للدولة إلى خادم الدولة المطيع عبد الوافي الفتيت؟
الآن نمر إلى تحديد الثمن الذي بموجبه يباع الملك الخاص للدولة إلى الأشخاص الذاتيين أو المعنويين. في الفصل نفسه نجد أن المشرع نص على وجوب تشكيل لجنة إدارية للخبرة وتقييم الثمن، تتألف من: 1/ العامل أو ممثله رئيسا. 2/ مندوب الأملاك المخزنية. 3/ ممثل عن مديرية الضرائب. 4/ ممثل عن السلطة الحكومية التابع لها القطاع الذي ينتمي إليه مشروع الاستثمار (في حالة وجود استثمار). 5/ الممثل الجهوي للسلطة الحكومية المكلفة بالتعمير… هل رأيتم أن القانون لم يحترم، وأن عقد البيع الذي أمامنا لا ذكر فيه لأي لجنة ولا لقرارها، وأن السيد جواد البواخري وقع على عقد من غير تفويض، وأن الوالي لا يمكن أن يكون طرفا في تفويت الملك الخاص لحسابه الخاص لأنه، أولا، رئيس العامل الذي من المفروض أن يرأس لجنة الخبرة، وثانيا لأن هناك تضارب مصالح واضحا، وثالثا، هذا اغتناء غير مشروع.
هل عرفتم الآن لماذا ازداد غضب الناس بعد صدور بلاغ الداخلية؟ وبعد ظهور وثائق أخرى تكشف أن ولاة آخرين استفادوا بنفس الطريقة من بقع في نفس التجزئة وبنفس الثمن في 2001 و2002 ومن بينهم حصاد وبوسعيد، وهل عرفتم لماذا سخر الناس من عبارة «خدام الدولة»، فالواقع أن المغاربة هم من صاروا خدما عند «خدام الدولة» هؤلاء، الذين يأكلون أرض المملكة بأثمنة رمزية، ويزرعون الحقد والغضب في نفوس الفقراء والمهمشين… النار قريبة من الحطب.. احذروا.