بقلم : توفيق بو عشرين
بات من المؤكد أن الحكومة لن ترى النور قبل نهاية هذا العام، وأن 90 يوما ستضيع من عمر التنفيذ والتشريع والتخطيط للمرحلة المقبلة، وأن البلاد ستخسر مليارات الدراهم من وراء شل آلة الحكومة والوزارات والبرلمان. وبما أن الجدل كله منصب حول من يدخل إلى خيمة بنكيران ومن يخرج منها، فلا بأس من إثارة الانتباه إلى البرنامج الحكومي الذي لا يتحدث عنه أحد، وإلى المهام الموضوعة على جدول أعمال المملكة التي لا يعرف أحد إلى أين تتجه في هذه المرحلة، حيث يبدو أن هناك من هو متضايق من شرعية صندوق الاقتراع، ويحاول الالتفاف على نتائجها بإطالة عمر البلوكاج. إليكم بعض المهام المستعجلة المعلقة على باب الحكومة المقبلة…
أولا: البلاد محتاجة إلى تشغيل مؤسساتها المتوقفة منذ مدة ليست قصيرة. المجلس الأعلى للسلطة القضائية متوقف، وعشرات ملفات تعيين وتأديب القضاة مجمدة، والمحكمة الدستورية انتهت ولاية أعضائها ومازالت تنتظر التعيينات، ومجلس المنافسة خارج «الريزو»، والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات بلا رئيس، في قطاع استراتيجي يحتاج إلى حكم يسهر على المنافسة وعلى حماية المستهلك. المجلس الوطني لحقوق الإنسان، هو الآخر، في حالة شرود قانوني. أضف إلى هذا الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة.
ثانيا: هناك مشكل التعليم الذي يحتاج إلى وصفة شجاعة وناجعة من قبل الحكومة لعلاج أعطابه، وعدم ترك المدرسة العمومية رهينة التقنوقراط والنقابات والارتجال. اليوم، هناك بلبلة بفعل توصية المجلس الأعلى للتعليم حول مراجعة المجانية، وهناك مخاوف لدى العائلات الفقيرة بشأن ما تبقى من تعليم لأبنائهم، وهناك سوق شغل يبتعد، يوما بعد آخر، عن خريجي التعليم الذين يجلسون في كراسي العطالة.
ثالثا: البلاد محتاجة إلى إعادة إطلاق مشاريع كبيرة تمس حياة الناس، وتشعرهم بأن صناديق الاقتراع تصلح لشيء، وأن الاهتمام بالسياسة له مردود، مثل توزيع مساعدات مادية على أربعة ملايين عائلة معوزة، مع دفتر تحملات واضح يتضمن الاهتمام بتعليم الأبناء وصحتهم. البلاد بحاجة إلى إطلاق مشروع بناء 1300 كلم من الطرق السيارة، لتنضاف إلى 1700 كلم الحالية، وذلك لرفع العزلة عن مناطق كثيرة في البلاد.
رابعا: المملكة في حاجة إلى دفع مخطط التصنيع أكثر، ومواصلة جذب صناعة السيارات والطائرات، والتخطيط لاستقطاب صناعات أخرى أكثر تطورا وتعقيدا للرفع من حصة التصنيع في الناتج الداخلي الخام، ومن أجل توفير مناصب شغل أكثر، ودفع الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين المهني إلى مسايرة هذا الإيقاع، وتوفير ليس فقط السواعد التي تشتغل، بل كذلك العقول التي تخطط.
خامسا: البلاد محتاجة إلى ريجيم قوي من أجل التحكم في الإنفاق العمومي، وتنزيل كتلة أجور الموظفين المتضخمة من 144 مليار سنتيم إلى حوالي 120 مليار سنتيم تدريجيا، وذلك بإعادة إطلاق مسلسل جديد للمغادرة الطوعية المختارة بعناية، وإعادة انتشار الموظفين، الذين يقبعون في الإدارة بدون شغل، إلى قطاعات أخرى. الريجيم يجب أن يطال كذلك، نصف المؤسسات والمقاولات العمومية التي يجب بيعها، وانسحاب الدولة منها لأنها، بالحالة التي توجد عليها، لا تضيف شيئا إلى المرفق العام، ولا إلى خزينة الدولة، بل تشكل عبئا على المواطن وعلى الميزانية وعلى الحكامة.
سادسا: لا بد من تفعيل مخطط استراتيجي لمحاربة الفساد المستشري في كل أوصال المملكة الشريفة.. الفساد الذي صارت كلفته غالية على حياة المواطن وعلى استقرار البلد، فلا يعقل أن يستمر اقتصاد الريع يأكل في التنمية، ويزيد الشحم في ظهر المعلوف. المغاربة «فاقوا وعاقوا»، ولا يمكن للفساد أن يصبح أكبر محرض على الثورة في بلاد فقيرة وإمكاناتها محدودة.
سابعا: لا بد من الاجتهاد للبحث عن نموذج تنموي جديد لا يرتبط بالمطر وسعر الفوسفاط وعدد السياح وتحويلات المهاجرين وثمن البترول. اقتصاد الفلاحة والخدمات بالمغرب أظهر محدوديته، ومن اللازم أن تدفع الدولة، عن طريق سلاح الضريبة، كبار الأغنياء إلى التوجه من العقار والسياحة والأبناك والتأمينات إلى التصنيع وإلى الاقتصاد الرقمي، والخروج من عقلية الهمزة والخوف من الاستثمار، وفي المقابل، لا بد من تسهيل دخول وخروج العمال إلى المقاولة، وتغيير مدونة الشغل التي تؤسس لزواج كاثوليكي بين الأجير ورب المقاولة الذي يواجه تحديات كبيرة في زمن العولمة، فيما قانون الشغل يعود إلى زمن بعيد.
ثامنا: هناك حاجة ملحة إلى إنعاش الانتقال الديمقراطي الذي قال عنه محمد اليازغي، أول أمس في ندوة حزب الاستقلال، إنه «دخل إلى قاعة انتظار كبيرة مع حكومة عبد الإله بنكيران»، وها نحن الآن نؤدي ثمن تجميد الإصلاحات الديمقراطية أمام تداعيات محاولة انقلاب ناعم على نتائج الاقتراع. المطلوب من رئيس الحكومة أن «يحكم»، وألا يترك أحدا يحكم إلى جانبه، أو بدلا عنه، أو في غفلة منه، وكل هذا بما يوافق الدستور وشرعية الانتخاب.
هذه عينة فقط من المهام المتراكمة فوق دفتر الإصلاحات المستعجلة، والتي تحتاج إلى حكومة قوية وشجاعة وذكية تجمع أفضل الخبرات الواعدة في المغرب لتصنع منها لحظة أمل في غد أفضل.