بقلم : توفيق بو عشرين
مرة أخرى، التقى عبد الإله بنكيران بعزيز أخنوش، أول أمس الثلاثاء، فتحدثا وأكلا وضحكا، وسأل كل واحد عن صحة الآخر وتنقلاته وجديده، لكن، عندما مرا إلى «المعقول»، لم يتفقا على وضع نقطة نهاية لمسلسل البلوكاج المستمر منذ حوالي شهرين. تمسك الملياردير أخنوش بشرط إبعاد حزب الاستقلال عن التركيبة الحكومية، وتمسك بنكيران بالميزان شريكا في الأغلبية المقبلة، لأنه لا يرى مبررا لأن ينقض وعده لشباط، ثم افترق الرجلان على أمل أن يراجع كل طرف موقفه، وطبعا، دون الإدلاء بأي تصريح للصحافة والرأي العام الذي ينتظر ميلاد الحكومة وخروج المملكة من حالة الجمود التي تشل الجهاز التنفيذي والتشريعي، وكان هناك من يريد أن يعاقب المغاربة جماعيا لأن 7.5 ملايين منهم شاركوا في اقتراع السابع من أكتوبر، وأعطوا المرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية.
لا أحد يصدق أن أخنوش يعترض على الاستقلال لأسباب إيديولوجية أو سياسية، لأن الميزان تعايش مع الحمامة في حكومات كثيرة، ولا أحد يصدق أن الملياردير السوسي يتحدث بلسانه. جل المراقبين والمهتمين، وعموم الرأي العام، يعتبرون أن أخنوش يصرف مواقف طرف آخر لا يظهر في الصورة، لكنه يحرك القطع على لوحة الشطرنج.
السؤال الآن هو: هل أخنوش ومن خلفه يعترضون على دخول حزب الاستقلال إلى الحكومة، أم يعترضون على الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، شخصيا، في إطار عملية تصفية حسابات سياسية قديمة وجديدة معه؟
المؤشرات الموجودة على الطاولة ترجح الفرضية الثانية، والمتمثلة في «الانتقام من شباط» لأنه قلب الطاولة على البام، يوم دعاه إلياس العماري إلى توقيع وثيقة مقاطعة بنكيران، في محاولة للضغط على القصر حتى لا يستعمل الفصل 47 من الدستور. ولأن شباط سبق وقلب الطاولة كذلك على وزارة الداخلية عقب إعلان نتائج اقتراع شتنبر 2015، حينما هوت أسهم شباط في فرصة الانتخابات، ورفض الجميع مساعدته، أو، بالأحرى، مكافأته على خروجه من حكومة بنكيران الأولى، وممارسة معارضة شرسة وغير أخلاقية تجاه الحكومة، لهذا، فإنه تمرد على الجميع عندما علم أن كل المطلوب منه أن يلعب دور الكومبارس في فيلم، البطولة فيه حكر على الجرار.
الذين يريدون معاقبة شباط الآن بحرمانه من دخول الحكومة، يخفون قرارا بإعدامه سياسيا، ولهذا، راجت أخبار تقول إن الحكومة لا يمكن أن تتشكل إلا إذا نظم حزب الاستقلال مؤتمره، وجرى إبعاد شباط من قيادته، آنذاك، فقط، يمكن أن يسحب أخنوش اعتراضه على إبعاد الاستقلال عن الحكومة، لكن هذا السيناريو تواجهه عدة صعوبات، منها أن الاستقلاليين قد يتشبثون أكثر بشباط إذا تحول إلى ضحية في عيون قاعدة الحزب، وأن كبار الدار الاستقلالية (بوستة والدويري وخليفة وعبد الكريم غلاب وعباس الفاسي والسوسي…)، رغم تحفظ الكثير من هؤلاء على أداء شباط وتقلباته السياسية، لن يرضوا المساس بسمعة الحزب وتاريخه واسمه، ليتحول إلى حزب تتحكم الدولة في ذهاب أو بقاء أمينه العام، مهما كان هذا الشخص. لقد وقعت حكاية دالة في المجلس الحكومي الذي أعقب إعلان نتائج الانتخابات الجماعية سنة 2015، حيث جاء وزير الداخلية، محمد حصاد، بصك اتهام مكتوب ضد شباط يتهمه بابتزاز الدولة، واقترح على رئيس للحكومة إصدار بيان من المجلس الحكومي ضد الأمين العام لحزب الاستقلال، لكن المفاجأة وقعت من وزير لم يكن متوقعا أن ينتفض ضد المساس بالحزب، حيث وجه كلامه إلى حصاد قائلا: «أنا لن أسمح بالمساس بحزب الاستقلال رغم خلافاتي مع شباط، وما تقترحونه علينا هنا لا يمس شباط كشخص، بل يمس الأمين العام لحزب الاستقلال، وهذا لا يمكن أن يسمح به أي استقلالي». بقي جل الوزراء مأخوذين بقوة هذا الاصطدام بين الوافا وحصاد، إلى أن تدخل بنكيران لتلطيف الجو، وانتهت المناقشات بإبعاد نقطة حزب الاستقلال عن جدول عمل الحكومة وبيانها الرسمي.
وقع هذا وحزب الاستقلال في المعارضة، وأمينه العام على خلاف كبير مع بنكيران، فما بالك الآن وقد صار الميزان حليفا للمصباح، لهذا، لا أتوقع أن يفلح أخنوش في الضغط على بنكيران للتنازل عن مشاركة الاستقلال، خاصة أن شباط فتح المجال لحل وسط يقضي بألا يشارك هو شخصيا في الحكومة المقبلة، وأن يشرع في الإعداد للمؤتمر المقبل من هنا إلى مارس، لأنه يعرف خصوصية السياسة في البلد، لكنه لا يريد أن يخرج من الباب الخلفي للحزب، بل يريد أن يحفظ ماء وجهه في حزب عمره أكثر من 80 سنة.
اقتصاد البلاد يخسر كل يوم المليارات نتيجة هذا البلوكاج، فحكومة تصريف الأعمال لا تملك، بحكم القانون، سوى 10٪ من صلاحيات أي حكومة، والبرلمان متوقف عن التشريع، وهناك مئات القوانين تنتظر، والإدارة مشلولة لأنها مرتبطة بالحكومة، وعشرات الآلاف من الملفات والقرارات والأوامر بالأداء وغيرها تنتظر، وقبل هذا وبعده المغاربة يسألون: هل وصلت الحرب السياسية بين الفاعلين إلى الدرجة التي يعجز فيها العقلاء، من كل جانب، عن إيجاد حل لأزمة البلوكاج هذه؟ إذا كان آخر الدواء هو الكي، فليكن، وليتفق الجميع على الذهاب إلى محكمة الشعب التي ستقوم بالتحكيم بين الفرقاء الحزبيين، من خلال إعادة تنظيم انتخابات تشريعية جديدة كحل واحد ووحيد يسمح به الدستور في هذه الحالة.