بقلم : توفيق بو عشرين
الأخبار الآتية من وزارة الداخلية سيئة ولا تبعث على الارتياح، لأول مرة منذ 17 سنة، تاريخ مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم ومغادرة إدريس البصري أم الوزارات، تنزل نسبة المسجلين الجدد في اللوائح الانتخابية إلى أدنى مستوى (نصف مليون ناخب فقط هم الذين دخلوا إلى اللوائح الانتخابية حتى 8 غشت الجاري، تاريخ إقفال التسجيل في اللوائح)، فيما المعدل العام للتقييدات الجديدة خلال كل الاستحقاقات التي عرفها المغرب، منذ 2002 إلى 2015، كانت تدور حول مليون و200 ألف قيد جديد. إليكم التفاصيل بالأرقام من بلاغات وزارة الداخلية.
كشف بلاغ لوزارة الداخلية أن العدد الإجمالي للمسجلين في اللوائح الانتخابية العامة هذه السنة بلغ 500 ألف و305 طلبات، 82% منها تم تقديمها مباشرة لدى مكاتب التسجيل التي تم فتحها بمختلف جماعات ومقاطعات المملكة، و18% تم إيداعها عبر الموقع الإلكتروني للوائح الانتخابية العامة، فيما شهدت سنة 2002 تسجيل مليون و490 ألف ناخب جديد في اللوائح الانتخابية، وفي الانتخابات الجماعية 2003، أي بعد سنة فقط، أسفرت عملية التسجيل في اللوائح عن تسجيل مليون و297 ألف ناخب جديد. وعلى إثر المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية العامة برسم انتخابات 2007، بلغ عدد المسجلين الجدد مليونا و553 ألف ناخب، فيما أسفرت نتائج عملية تجديد اللوائح الانتخابية العامة، التي صادفت الحراك الشبابي سنة 2011، عن تسجيل 1.214.003 ناخبين جدد، وحطمت عملية تسجيل الناخبين الجدد، خلال الاستحقاقات الجماعية لشتنبر 2015، كل الأرقام، بعدما تم تسجيل مليون و993 ألفا و363 ناخبا.
إذن، فقدت اللوائح الانتخابية هذه المرة حوالي 75٪ من التسجيلات الاعتيادية مقارنة بنسبة المسجلين السنة الماضية، وظل أكثر من 12 مليون مغربي خارج اللوائح الانتخابية المحينة، حيث لا يوجد في هذه القوائم الآن سوى 14 مليون ناخب مفترض، فيما نتائج الإحصاء العام، الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط، تقول لنا إن عدد المغاربة الذين وصلوا إلى سن التصويت بلغ في 2014 أكثر من 27 مليون مواطن، وإذا استثنينا حاملي السلاح، الذين لا يزيد عددهم على 300 ألف نسمة، فإن أكثر من 12 مليون مغربية ومغربي مازالوا خارج اللوائح الانتخابية وخارج خريطة المشاركة السياسية.
ماذا جرى هذا الشهر حتى هوى رقم المسجلين الجدد في اللوائح الانتخابية من مليونين في غشت الماضي إلى 500 ألف الآن؟ وإذا استحضرنا التشطيبات التي ستباشرها اللجان الانتخابية التي تسيطر عليها الداخلية، ولا يلعب فيها القضاة إلا دور الكومبارس الذي لا يعرف السيناريو ولا موضوع الفيلم ولا أبطاله، فلنا أن نتصور حجم تقلص الجسم الانتخابي الذي سيؤثر على حجم المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة.
ماذا جرى؟ هل شهية المواطنين للمشاركة تقلصت في ظرف 10 أشهر؟ فبعدما سجل مليونا شخص السنة الماضية، لم يسجل الآن سوى 500 ألف ناخب مفترض؟ هل وضعت عراقيل في وجه المواطنين حتى لا يسجلوا في اللوائح الانتخابية، خاصة في المناطق التي يحتمل أن تذهب فيها الأصوات إلى حزب دون باقي الأحزاب؟ هل التعقيدات التي وضعتها الداخلية في وجه التسجيلات الإلكترونية آتت أكلها، حيث نزل الرقم من حوالي مليون تسجيل في اللوائح الانتخابية إلى 40 ألفا فقط؟ كيف ارتفعت نسبة التسجيل في البوادي وانخفضت في المدن؟ هل جرى اصطناع فئات ناخبة في مناطق بحد ذاتها لتقديمها هدية لحزب معين دون آخر؟ هل نجحت حملات التضييق على الأنشطة الحزبية واللقاءات الجماهيرية التي اعتاد حزب العدالة والتنمية تنظيمها بمناسبة التسجيل في الانتخابات، وهذا ما حمل بعض الفئات غير المسجلة على العزوف عن التسجيل في اللوائح الانتخابية؟ من المستفيد من انتخابات بأقل عدد من الناخبين أو بدون ناخبين حتى؟ هل الأعيان؟ أم المال؟ أم هما معا، وقبلهم وبعدهم أحزاب الكارتون التي ليست لها جذور في التربة المغربية، وتظهر مع الانتخابات وتغيب بغيابها، في محاولة للالتفاف على إرادة الأمة في انتخاب من يدير جزءا من السلطة طيلة خمس سنوات؟
هذه الأسئلة وغيرها تنتظر جواب المشرف السياسي على الانتخابات، عبد الإله بنكيران، وتنتظر المشرف القانوني على الانتخابات، مصطفى الرميد، ولا تنتظر المشرف الفعلي على الانتخابات، محمد حصاد، لأن هذا الأخير لا حساب في عنقه لأحد، ولا تُنتظر منه نتائج مختلفة عما يقوم به الآن. بقي الدور على بنكيران الذي يزعم أنه يشرف على انتخابات في حكومة يخرج وزير الداخلية فيها باتهامات ثقيلة ضد رئيسه، دون أن يثير ذلك أزمة في البلاد. أما السيد وزير العدل والحريات، فلا أعرف ما الذي يقنعه بأن للقضاء دورا في الانتخابات، وهو لا يتوفر على اللوائح الانتخابية، ولا على الأرقام، ولا على اللوجستيك، ولا حتى على آذان صاغية تسمع رأي القانون في ما يجري (سيبقى بلاغ إدانة المستشارين المتهمين بالفساد والتشهير بهم في التلفزة والوكالة الرسمية، السنة الماضية، نقطة سوداء في صفحة هذه المرحلة، حيث جرى خرق قرينة البراءة، والاعتداء على المواطنين قبل حتى أن يصلوا إلى باب المحكمة).
تريدون انتخابات بلا ناخبين؟ فليكن. تريدون توسيع مساحة مقاطعة الانتخابات؟ فليكن. تريدون تنفير الناس من صناديق الاقتراع؟ فليكن. تريدون أن تدفعوا المواطنين إلى الكفر باللعبة الديمقراطية؟ فليكن. تريدون أن يرجع المال السياسي إلى واجهة الحدث الانتخابي؟ فليكن. تريدون أن يراهن الشباب على الشارع عِوَض الرهان على مكتب الاقتراع؟ فليكن. تريدون أن تظهروا للعالم أن من أصل 27 مليون ناخب مفترض لا يصوت في المغرب إلا أقل من ستة ملايين، فيما 20 مليونا خارج الحساب؟ فليكن… لكن، تذكروا أن الذين لا يصوتون، لأي سبب من الأسباب، ليسوا أصفارا على الشمال، وأن شرعية الأنظمة الحديثة تقاس بنسبة المشاركة وليس بنسبة المقاطعة.