بقلم : توفيق بو عشرين
واحد على الأقل استفاد من جريمة صاحب الشاحنة الذي أفسد الحفل على الفرنسيين في شاطئ نيس، وقتل أكثر من 90 بريئا، فيهم مغاربة وعرب ومسلمون -لا سلم الله من عبأ عقله المريض بكل هذا الحقد الأعمى- هذا الواحد الذي استفاد من شاحنة نيس هو حلاق الإليزيه في باريس الذي يتقاضى 10 آلاف يورو في الشهر مقابل الاعتناء بشعر الرئيس فرنسوا هولاند مرتين أو ثلاثا في الشهر. راتب الحلاق لا يبتعد كثيرا عما يتقاضاه الرئيس (13900 يورو خام bruts) الذي يعمل 17 ساعة في اليوم، ويتحمل مسؤولية 60 مليون مواطن، وكل الكوارث والنكبات والحروب والأخبار السيئة التي تنزل فوق رأس فرنسا كل يوم.
لولا حادثة نيس لكان موضوع حلاق درب الأغنياء قد أخذ حجما أكثر مما أخذه على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحات الجرائد الفرنسية المصابة بحساسية مفرطة من امتيازات «خدام الدولة» فيها، وإن كانت لا تجوز المقارنة مع الفارق «الفاهم يفهم».
الذي فجر ضجة حلاق الرئيس هي جريدة «لوكانار أونشني». إذا كانت هذه البطة مكبلة وتصل إلى كل هذه الأخبار والفضائح والأسرار، فماذا لو كانت حرة طليقة؟ المهم، القنبلة خرجت من مقر البطة المكبلة بواجب الفضح، ووصلت إلى كل الصحف والمجلات والحوارات التلفزيونية، حتى إن الصحافي الرصين، جيل بولو، مقدم الأخبار الرئيسة على tf1، وجد من اللازم عليه طرح سؤال راتب الحلاق الغني على الرئيس هولاند، في الحوار السنوي الذي يعطيه الرئيس للتلفزيون في العيد الوطني لبلاده، فسأل الصحافي الرئيس: «هل ترى أنه من العادي أن يتحمل دافعو الضرائب نفقات حلاقة شعر الرئيس؟»، وإذا بزميله الصحافي دايفيد بوجادا يزيد من حدة السؤال، ويضيف: «وأن تكون هذه النفقات باهظة بهذا الشكل؟».
هولاند أدار عينيه في رأسه مرتين، وابتعد عن الجواب المباشر عن السؤال بالقول: «لقد خفضت ميزانية قصر الإليزيه بحوالي 10٪. كانت 109 ملايين أورو، وصارت في عهدي 100 مليون أورو (في المغرب ميزانية القصر الملكي بالرباط ضعف ميزانية القصر الرئاسي في باريس مرتين ونصف المرة)، ولقد خفضت راتبي الشهري بحوالي 30٪ (في عهد ساركوزي ارتفع راتب الرئيس بأكثر من 20٪)، ومع ذلك -يقول هولاند- هناك من يزايد علي في موضوع لست المسؤول الأول عنه».
يقصد هولاند بـ«لست المسؤول الأول عنه» أن من سبقوه من الرؤساء هم أيضا كانوا يصرفون 10 آلاف أورو لحلاق الرئيس، ومع ذلك لم تمر هذه الحادثة بسلام على رئيس تنخفض شعبيته كل يوم، حتى إنه لم يعد ينتظر أخبارا سارة من استطلاعات الرأي، والغالب أنه لن يترشح لولاية ثانية، وإن فعل، فإنه سيلقى هزيمة نكراء.
محاسبة المسؤولين على صرف المال العام من ثوابت النظام الديمقراطي، والذي يعتبر أن يد المسؤولين مطلوقة في بيت مال المواطنين وفي أرض الدولة وفي امتيازات الإدارة، فإن بينه وبين الديمقراطية سورا صينيا طويلا وعريضا.
نصيحة لوسائل الإعلام المغربية: رجاء، أوقفوا النشر في موضوع «خدام الدولة»، والأثمنة الرمزية التي اشتروا بها أرض الكيلومتر 9، وهي أثمنة رمزية لا تساوي حتى ثمن تجهيز الأرض. رجاء، أوقفوا النشر، ليس احتراما لمشاعر المغاربة الذين يشترون المتر الواحد في شقق السكن الاجتماعي بأكثر من 3500 درهم، وليس لأنكم تسكبون الماء في الرمل، وأن المحاسبة لن تصل إلى الرؤوس الكبيرة، ومن سيحاسب رواد دولة الكيلومتر 9، وفيهم الوزراء والولاة والقضاة والجنرالات والمستشارون والتقنوقراط وزعماء الأحزاب والسفراء والسماسرة؟ من هو هذا الوكيل العام للملك الذي سيتجرأ على فتح تحقيق في النازلة.. مجرد فتح تحقيق؟
يوم ولد البرلمان في بريطانيا قبل 400 سنة، كان يناقش موضوعا واحدا في السنة، هو موضوع الميزانية، أي المال، ولهذا، فإن الديمقراطية في العالم مدينة لهذا البرلمان الذي أسس مبدأ المحاسبة، وأرجع صرف المال العام لممثلي الشعب.
يُحكى، والعهدة على الراوي، أن الملك الراحل الحسن الثاني أهدى ملك بلجيكا السابق خيمة مغربية تقليدية بمناسبة عيد العرش البلجيكي، وفوق هذا بعث إليه طاقما من مطبخه الملكي ليعد أطباقا مغربية خاصة لضيوف الملك البلجيكي، عنوانا على الصداقة والمحبة بين العاهلين، ولأن ملك بلجيكا أبدى أكثر من مرة إعجابه بالمطبخ المغربي. قبل أيام من موعد الحفل، تلقى الحسن الثاني مكالمة هاتفية من رئيس الطباخين المغاربة يشتكي إليه بخل ملك بلجيكا، ويتعجب كيف أن ملكا يقول للطباخين المغاربة إنه لا يستطيع شراء كل المواد التي يطلبونها لإعداد الشهيوات المغربية، من طاجين وبسطيلا وكعب غزال وغيرها، لأن ميزانية القصر الملكي هذه السنة لا تسمح بذلك. وقال رئيس الطباخين المغاربة لسيده متعجبا، بل ومصدوما: «أي ملك هذا يا مولاي الذي لا يستطيع شراء اللحم والدجاج واللوز والعسل والزيت وقوام المطبخ؟ هذا ملك بخ». ضحك الحسن الثاني من هذا الوصف، وأمر سفيره في بروكسيل بالقيام باللازم.