بقلم : توفيق بو عشرين
حتى قبل انتخابه على رأس مجلس النواب، يتعرض الحبيب المالكي، عضو المكتب السياسي لحزب الوردة، لـ«حفلة سلخ» كبيرة في الصحافة المواطنة (صحافة المواقع الاجتماعية)، ويكتشف المراقب درجة الشعبية المتدنية لمن بقي من رموز الاتحاد على الساحة السياسية، خاصة المحسوبين على فصيل إدريس لشكر وعبد الوهاب بلفقيه.
«مول الشكلاط»، صاحب العشرين مقعدا، والمتسول رقم 2 على أبواب الحكومة (على اعتبار أن لشكر هو رقم واحد)، كرزاي المغرب الذي يريد رئاسة مجلس النواب بأصوات الأغلبية والمعارضة… هذه بعض الألقاب القاسية التي أطلقها رواد العالم الأزرق على السي الحبيب، السياسي الناعم الذي ظل حيا سياسيا يأكل من كل الموائد، من زمن البصري إلى عهد حصاد، ومن زمن بوعبيد إلى عصر إدريس لشكر، الذي اتخذ من الحبيب رفيقا للدرب الطويل في ليل الاتحاد البهيم.
يوم قرر الملك الراحل الحسن الثاني تعيين تاجر السلاح القديم، عبد الرحمان اليوسفي، على رأس حكومة التناوب سنة 1998، استدعاه إلى عشاء خاص في القصر الملكي بالرباط، وذلك لإذابة الجليد الذي علق عبر سنوات طويلة بين المعارضة والملك، فلما دخل اليوسفي إلى القصر، وجهه الخدم إلى مصعد ملكي خاص يحمل سيد القصر إلى قاعة خاصة للطعام، فلما فتح باب المصعد، وجد اليوسفي الملك الحسن الثاني شخصيا في استقباله، وهي لفتة نادرا ما كان الحسن الثاني يقوم بها مع أحد، سواء مع المقربين أو المبعدين. استقبل الملك المعارض السابق، وتوجه وإياه إلى مائدة الطعام، التي كانت فوقها وجبة خاصة لليوسفي الذي يتبع حمية صارمة منذ سنوات، لكن مفاجأة اليوسفي كانت أكبر من الترحيب الذي خصه به الجالس على العرش.. لقد وجد شخصين سبقاه إلى طاولة الملك، وهما عبد الواحد الراضي والحبيب المالكي، فسارع الحسن الثاني إلى توضيح أسباب استدعاء عضوي المكتب السياسي للاتحاد دون علم الكاتب الأول والوزير الأول. قال الحسن الثاني، في ما رواه لكاتب هذه السطور أكثر من مصدر: «أنت خجول السي اليوسفي، وأنا كذلك، ولهذا، استدعيت عبد الواحد والحبيب إلى هذا العشاء، وهما ابنا الدار، وذلك ليجري الحديث بيننا بانسياب أكبر».
دائما ما كان الحبيب المالكي مثار جدل في وسط الاتحاد، أيام كان الاتحاد رقما صعبا في معادلة السياسة في البلد، وكان الزعيم الراحل، عبد الرحيم بوعبيد، لا يمانع في وجود قنوات خلفية للاتصال والتواصل مع القصر، ولذلك، غض الطرف عن اقتراب عدد من مناضلي الحزب من الملك الراحل لكي يلعبوا دور ساعي البريد، فكان المناضلون الراديكاليون يطلقون على سعاة البريد هؤلاء: «رجال المخزن في الاتحاد»، وكان رجال المخزن يطلقون عليهم: «رجال الاتحاد في دار المخزن»، لكنهم، في الأخير، كانوا يلعبون في الحلبة السياسية أدوارا سياسية مرسومة.
الحبيب نموذج وفي لنخبة «اليسار المولوي» التي زاوجت وتزاوج بين يسارية الفكر وتقليدانية الممارسة، بين التنظير للديمقراطية وتوطيد السلطوية في الواقع، ولسان حالهم يقول: «ظهر الحمار قصير، والجماهير الشعبية انفضت من حول الوردة، ولا سبيل للبقاء على قيد الحياة إلا باللعب في فيلم السلطة، ولو كان الأمر يتعلق بأدوار صغيرة».
الحبيب اليوم مرشح بعشرين مقعدا لرئاسة مجلس النواب، وهو يعول على أصوات الحمامة والسنبلة والجرار والحصان.. ولمَ لا المصباح، إذا قبل بنكيران بصفقة الامتناع عن ترشيح العثماني، وترك رئاسة مجلس النواب للاتحاد الذي سيعلن المساندة النقدية للحكومة دون المشاركة فيها، فلا يعقل ألا يقبض لشكر ثمن مشاركته في البلوكاج، وامتناعه عن دخول الحكومة في وقت حساس، كان بنكيران يريد أن يجمع فيه أحزاب الكتلة مع المصباح في حكومة واحدة لامتلاك مشروعية رمزية يضيفها إلى المشروعية الانتخابية.
الحبيب، اليوم، يقف في منصة مجلس النواب ليقبض ثمن موقف لشكر من حكومة بنكيران، فلا تلوموه كثيرا، ولا تفتشوا في سيرته وأوراقه في مجلس الشباب والمستقبل ووزارة الفلاحة ووزارة التربية الوطنية، ولا تدققوا في علاقته بإدريس البصري، وهدايا هذا الأخير للحبيب في أبي الجعد وفي الكيلومتر 5.
المصدر : جريدة اليوم 24