أحزاب المجتمع في مواجهة أحزاب السلطة
أخر الأخبار

أحزاب المجتمع في مواجهة أحزاب السلطة

المغرب اليوم -

أحزاب المجتمع في مواجهة أحزاب السلطة

بقلم : توفيق بو عشرين

أحزاب أمام المشهد السياسي فرصة نادرة لإعادة ترتيب أوراقه المبعثرة، والرجوع إلى خطاطة حزبية لم تفقد جدواها ولا راهنيتها، وهي الخطاطة القائمة على الفرز بين الأحزاب المستقلة التي تدافع عن المشروع الديمقراطي في خطوطه العامة، مقابل الأحزاب الإدارية الفاقدة لأي استقلالية، والتابعة للسلطة، والتي لا يشغل الهم الديمقراطي أي جزء من تفكيرها ولا من ثقافتها ولا من برنامجها… أحزاب المجتمع في مواجهة أحزاب السلطة، والعدو ليس النظام، ولكنه الفساد والتحكم، ومراكز مقاومة التغيير، والضغط لتطوير وتحديث نظام الحكم ومؤسساته من داخله وليس من خارجه.
إذا نجح حزب العدالة والتنمية في قيادة حكومة يشارك فيها الاستقلال «أبو الأحزاب الوطنية»، والاتحاد الاشتراكي الذي يجر خلفه تراثا نضاليا كبيرا، والتقدم والاشتراكية الذي كان حاضرا في أهم المعارك الديمقراطية.. إذا نجحت قاطرة العدالة والتنمية في إقناع العربات الثلاث بالوقوف خلفها، فإن بنكيران سيدخل إلى التاريخ باعتباره أول زعيم سياسي مغربي سيشكل حكومة كل أحزابها نابعة من تربة المجتمع، دون الحاجة إلى أحزاب بلاستيكية وضعت في مزهرية بلا روح.. حكومة كل أحزابها تعلن الانتماء إلى المشروع الديمقراطي، وتتشبث، بهذا القدر أو ذاك، باستقلالية القرار الحزبي، وتؤمن بأن مستقبل المغرب في نظام ديمقراطي وليس سلطويا، وفي مجتمع حر لا متحكم فيه، وأن الأولوية الآن للبناء المؤسساتي وليس للصراع الإيديولوجي أو القيمي.
نعم، الاستقلال يبدو متعبا من كثرة القفز من شجرة إلى أخرى، ومن موقف إلى آخر، ومن حكومة إلى معارضة، دون مبرر منطقي، وقيادته النقابية أثبتت أنها تصلح للاحتجاج، للرفض، للشعبوية، للاصطدام، لكن إدارة حزب كبير بحكمة وترو وبعد نظر، هذا أمر ظل بعيدا عن شباط. لكن، يبدو اليوم أن القيادة الاستقلالية تعلمت دروسا كثيرة من محطتي 2015 و2016، وأيقنت أن قربها من البام كان مكلفا للغاية، وأن قاعة «السلطة» ليس بها إلا كرسي واحد يجلس عليه البام، وإذا قبل الآخرون أن يوجدوا معه في القاعة نفسها، فما عليهم إلا أن يظلوا واقفين في خدمته، لهذا أتوقع أن شباط الآن يرتب لانسحابه من الأمانة العامة للميزان، لكنه يريد أن يقلل خسائر الحزب الذي ورثه، وهو حزب مشارك في الحكومة وبيده رئاسة مجلس النواب وفي جيبه 60 مقعدا، فيما هو الآن يقود حزبا خسر ثلث مقاعده في مجلس النواب، وخسر احترام جزء من زبنائه التقليديين في حواضر المدن، وسيخسر أكثر إذا نزل إلى المعارضة الآن، لهذا، فإن الحل بالنسبة إلى الاستقلال هو الابتعاد عن البام لمحو ذكرى أربع سنوات من «التخربيق السياسي»، والعودة إلى المشاركة في حكومة قوية ببرنامج إصلاحات عميقة.
أما بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي، فقد «دخل إلى التاريخ» باعتباره أول حزب يتعرض لتصويت عقابي وهو في المعارضة، فالعادة أن تتعرض الأحزاب الحاكمة لعقاب الناخبين لا الأحزاب المعارضة، لكن هذا حدث للاتحاد لأن إدريس لشكر أخطأ التقدير مرتين؛ الأولى عندما رفض دخول حكومة 2011 التي جاءت بعد الحراك الديمقراطي في الشارع، والثانية عندما قفز إلى عربات الجرار دون تقدير للعواقب الخطيرة لدخول حزب مثل الاتحاد تحت جلباب حزب السلطة الممثل في البام، وكانت النتيجة ما نراه من تحول الحزب إلى مكون صغير في الخريطة الانتخابية بعشرين برلمانيا، نشرت الجريدة كل صورهم بحجم كبير في صفحة واحدة، وباستثناء المالكي والراضي وأعضاء اللائحة الوطنية، فإن الآخرين لا يعرف أحد متى دخلوا إلى الاتحاد، ولا نوع الوظيفة التي سيقومون بها داخل البرلمان، لهذا على إدريس لشكر، قبل أن يرحل عن القيادة في السنة المقبلة، أن يصلح ما يمكن إصلاحه، وأن يعيد الحزب إلى الكتلة، ويدخل إلى الحكومة لمحو صورة «معارضة صاحب الجلالة» التي تحترف بعث الرسائل إلى القصر عِوَض مواجهة إخفاقاتها بشجاعة. لا مكان للاتحاد في معارضة يقودها البام من أجل إنعاش السلطوية، مكانه مع حزب العدالة والتنمية من أجل مباشرة الإصلاحات الضرورية لبلاد قاطع فيها الاقتراع أكثر من 20 مليون مغربي اختاروا أو حرموا من المشاركة في الاقتراع، وبقاؤهم خارج اللعبة يعني ما يعنيه للعقلاء الخائفين على مستقبل البلاد.
اعتبرت صحيفة |«واشنطن بوست»، في تحليل سياسي نشرته أول أمس للنتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية بالمغرب، والتي بوأت حزب العدالة والتنمية الصدارة، أن النجاح الانتخابي لحزب المصباح يعود إلى مجموعة من العوامل، على رأسها ميل الحزب إلى تبني نهج براغماتي شبه علماني في العمل السياسي، وابتعاده عن الإيديولوجيا الدينية. وأضافت الصحيفة الأمريكية المعروفة بتأثيرها على دوائر صناعة القرار في واشنطن: «إن هذه الصيغة في العمل السياسي التي يتبناها الحزب في المغرب، ومعه حركة النهضة في تونس، تؤشر على بروز تيار جديد داخل حركة الإسلام السياسي، يفصل بشكل صريح بين الدين والدولة، ويرى أن الشأن السياسي والشأن الديني ينبغي أن ينفصلا عن بعضهما البعض». وفي آخر التحليل، وضع الصحافي جملة مفيدة تلخص مهام المرحلة المقبلة، فكتب: «التحدي المطروح الآن على حزب المصباح هو قدرته على مواصلة الاضطلاع بدوره المزدوج في العمل من داخل النظام، وفي الوقت ذاته التعامل مع أعطابه الأساسية، وفي طليعتها الفساد».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحزاب المجتمع في مواجهة أحزاب السلطة أحزاب المجتمع في مواجهة أحزاب السلطة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية
المغرب اليوم - شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

إليك كيفية وضع المكياج الخفيف للمحجبات

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 آذار/ مارس

فوائد الجوافة في تجنب التهابات المعدة

GMT 14:31 2017 الخميس ,12 كانون الثاني / يناير

الفنانة المغربية سلمى رشيد وهيثم مفتاح يقفزان من السماء

GMT 00:44 2021 الجمعة ,20 آب / أغسطس

شواطئ ساحرة حول العالم لعطلات الصيف

GMT 10:11 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

يحيط منزله بسور مصنوع من هواتف (آيفون)

GMT 11:07 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

ترسيم الحدود البحرية يعترض صفقة عسكرية بين المغرب وإسبانيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib