بقلم : توفيق بو عشرين
نودع اليوم سنة 2016 وليس في ذاكرتنا منها إلا المواجع، ونستقبل 2017 وليس في وسعنا إلا الأمل، حتى وإن كان كاذبا.
في 2016 وقعت أحداث سيئة، أولها صعود سياسي شعبوي فج إلى أقوى كرسي للقرار في أمريكا، وثانيها إقدام بوتين على دخول الحرب السورية، وتعميق الجرح هناك، وزيادة عدد القتلى والجرحى واليتامى واللاجئين، وتوسيع رقعة اللااستقرار في المنطقة كلها، وثالثها استمرار الفتنة في العراق، حيث يتطلب نزع شوكة داعش من الموصل انهارا من الدماء، والمشكل أن الحشد الشعبي يزرع في طريقه إلى القضاء على داعش ألغاما جديدة في أرض السواد. ورابعة المآسي التي وقعت السنة الماضية، تواصل الاستيطان الإسرائيلي، واستمرار تجاهل العالم لحقوق الفلسطيني، وخامسا دخول الحرب اليمنية سنتها الثانية بدون نقطة ضوء في نهاية النفق، وازدياد عدد القتلى والجوعى وصور الضحايا في شوارع أوروبا. سادسا، صعود اليمين المتطرف في أوروبا، والاتجاه نحو انعزالية قاتلة (protectionnisme) سيعمقان سوء الفهم الكبير بين الغرب والإسلام. سابعا، الانقلاب الفاشل على أردوغان في تركيا، وتردد القوى الكبرى في إدانته، إن لم يكن في تشجيعه. ثامنا، وجود مليار إنسان، وسط السبعة مليارات من البشر، لا يصلون إلى ما يكفيهم من طعام وشراب، دعك من باقي الكماليات التي لا يحلم بها مثل هؤلاء. تاسعا، ازدياد حرارة الأرض، وما تحمله من تقلبات مناخية تنعكس على كل دول العالم، وتهدد الحياة فوق الأرض، فالكوب22 في مراكش لم يشهد الحماس نفسه الذي صاحب الكوب21 في باريس. عاشرا، ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء، أفرادا وجماعات ودولا، ومعه ازدياد الحقد والإحساس باللامساواة والرغبة في الانتقام.
هكذا يبدو نصف العالم الأسود، حيث تزداد مبيعات السلاح، وتنتفخ أرصدة أمراء الحرب، ويرجع الفكر البشري خطوات إلى الوراء، كما أن شعارات، مثل حوار الحضارات ووحدة الجنس البشري والأمم المتحدة والمساواة بين البشر والميثاق العالمي لحقوق الإنسان والقضاء على الفقر والمرض والقرية العالمية والاقتصاد الأخضر… تبدو وكأنها فصل في رواية حالمة، أو يوتوبيا بعيدة عن الواقعية لا يمكن أن تتحقق في يوم ما.
في مقابل هذه المآسي وهذا النكوص عن الفكر الإنساني، هناك علم يتقدم، وتكنولوجيا تكتسح، وأنترنت يصل ويفصل في الوقت نفسه (يصل بين الأفراد والجماعات ويفصل بين الأحلام والتطلعات)، وهناك ابتكارات مدهشة في الطب والصناعة والأدوية والاتصالات ونمط العيش، فاليوم هناك أربع شركات دخلت إلى جل بيوت العالم، وهي غوغل وفايسبوك وأمزون وآبل، وهذه الشركات لم تعد مشغولة بتسويق بضاعتها فقط، بل صارت تصرف مليارات الدولارات على بحوث وابتكارات تهم حياة البشر على الأرض (تمول غوغل مشروعا طبيا ضخما هدفه الرفع من الأمل في الحياة، وتنطلق من حقيقة أن الإنسان في الغرب كان معدل حياته قبل 100 سنة هو 54 سنة، واليوم صار في حدود 82 سنة بفضل تقدم الطب ووسائل النظافة ووفرة الطعام وتحديد ساعات العمل، فلماذا لا يتجاوز 100 سنة غدا مع كل التطور الذي يعرفه الطب والدواء والأبحاث الجينية والكشف المبكر عن الأمراض قبل وقوعها).
هكذا يمشي العالم بسرعتين وفي اتجاهين مختلفين، وهو الأمر الذي يدفع المرء إلى كتابة ثلاث ملاحظات عن أحوال البشرية في السنوات المقبلة:
أولا: لا توجد مكاسب نهائية على طاولة العالم، سواء في مجال الفكر أو السياسة أو الاقتصاد أو العقل أو الحرية أو حقوق الإنسان أو العدالة الاجتماعية أو الحرب أو السلم. كل شيء معرض للخطر، وكل القيم التي اكتسبت بفعل قرون من التطور يمكن أن تذوب في لحظات، كما تذوب الثلوج تحت أشعة الشمس. هذا هو درس البريكسيت في بريطانيا، وترامب في أمريكا، وصعود اليمين المتطرف في أوروبا.
ثانيا: الفوضى ستزداد في العالم لأن القانون غائب، والشرطي غائب، والمحكمة غائبة، والحكمة غائبة.. في مجتمع الدول، الديمقراطية محلية والسوق عالمية. القانون يتحرك داخل حدود كل دولة، فيما العولمة تخترق الجغرافيا، وفوق ظهرها يركب الاتصال والتواصل والشركات والسلع والإرهاب والجريمة والإعلام… وكل هؤلاء عابرون للحدود، بل لا يؤمنون بالحدود أصلا. هذا التناقض بين المحلي والعالمي، في غياب قائد أو غرفة قيادة، يخلق الفوضى، والفوضى تفتح الطريق لقانون الغاب، والبقية معروفة.
ثالثا: سيبقى العالم العربي وإفريقيا الساحتين الأبرز للحروب المقبلة، لأنهما الأضعف استراتيجيا، والأكثر اختراقا من قبل الفقر والفساد والاستبداد والطائفية والانقسامات العرقية والمذهبية، علاوة على غياب منظمات إقليمية قوية تعضد أمنهما القومي، مع وجود ثروات مهمة في بلدانهما، ومعابر استراتيجية للتجارة العالمية على حدودهما. أوروبا الغربية ودعت الحروب على أراضيها منذ 70 سنة، وأمريكا منذ 200 سنة، فيما روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا محصنة برابط «البريكس»، وتحاول أن تدفع مخاطر الحروب عن أراضيها، وتخطط للاحتفاظ بأسرع نسبة نمو في العالم، وهناك دول مرشحة للالتحاق بها، فيما العالم العربي ماتت فيه الجامعة العربية، وتوفي اتحاد المغرب العربي، وشل مجلس التعاون الخليجي، ودخلت منظمة المؤتمر الإسلامي في غيبوبة.
المصدر "صحيفة اليوم 24