بقلم : توفيق بو عشرين
مضى 46 يوما والدولة متوقفة عن الاشتغال، إلا من شؤون جارية تمارسها حكومة منتهية الصلاحية لا تعين مسؤولا، ولا تصرف مالا، ولا تضع سياسة، ولا تخطط لقطاع، أما رئيس الحكومة المكلف، فلا يخرج من بيته لأنه لا يملك مفاتيح إدارة الشأن العام، مادام لم يستطع، إلى الآن، إيجاد أغلبية يقدمها إلى الملك، وينال بها ثقة البرلمان.
مضى 46 يوما ولا سؤال على لسان المواطنين إلا سؤال: علاش بنكيران منجحش في تشكيل حكومة؟ ولماذا أخنوش يريد طرد حزب الاستقلال من الأغلبية المقبلة؟ وهل أصبح شباط يقلق أخنوش، أم إن هذا الأخير يصرف موقفا لجهة أخرى تريد أن تعاقب أمين عام الاستقلال لأنه تمرد، أم إن الذين يهندسون المشهد من وراء الستار لا يريدون لبنكيران حكومة قوية، وحزبا يدفئ به كتفيه بعدما تعرض لوخزات إبره أكثر من مرة؟
لا أحد يصدق أن أخنوش ورث حزبا إداريا ثم جعل منه حزبا وطنيا مستقلا في 24 ساعة، ولا أحد يصدق أن الحركة الشعبية، التي يقرر في مصيرها «رجل وامرأة»، تحولت إلى حزب يساري راديكالي لا يستطيع أن يتعايش مع حزب محافظ من اليمين، مثل حزب الاستقلال، ويطالب بحكومة نقاء إيديولوجي، ولا أحد يصدق أن مراوغات إدريس لشكر ستخفي حقيقة دخوله إلى محطة إفريقيا للتزود بالمحروقات… لو أن هذه الأحزاب أعلنت، منذ اليوم الأول، توجهها إلى المعارضة لأن الناخب عاقبها، ولأنها تحترم إرادة المواطنين، لما لامها أحد على ذلك، فمن حقها أن تذهب إلى المعارضة أو أن تشارك في الحكومة. لكن، أن تأتي أربعة أحزاب لا رابط بينها سوى «الهاتف الداعي»، وتربط مصير بعضها ببعض، وتدخل إلى محفظة الملياردير، وتشكل تحالفا للبلوكاج في وجه بنكيران الذي حصل على ثلث مقاعد مجلس النواب، وحصل على ثقة الملك الذي عينه رئيسا للحكومة وفق الفصل 47، فهذه حيلة لا تنطلي على أحد، وهذه ممارسات تمس المبدأ الديمقراطي في مقتل، وتحاول أن تنقلب بشكل ناعم على نتائج الاقتراع، وأن تدخل البلاد في أزمة ستكلفه مليارات الدراهم من الخسائر، وآلاف مناصب الشغل وفرص الاستثمار. لو وجدنا اقتصاديا نبيها لقام بحساب دقيق لكلفة توقف الدولة عن الاشتغال لمدة شهر ونصف، فكيف ينتظر 34 مليون مغربي دخول السيد أخنوش من زيارته لإفريقيا لكي تتشكل الحكومة؟ وكيف يرضى بنكيران بتعليق مصير البلد على جدول سفر وزير الفلاحة والصيد البحري، الذي يوقع اتفاقيات بالملايير وهو وزير تصريف أعمال، يمنعه القانون التنظيمي من ترتيب أعباء مالية جديدة على الحكومة المقبلة، حيث لا يعطيه هذا القانون سوى تصريف الأمور الجارية والحالات المستعجلة… لكن هذه قصة أخرى.
بهذه الألاعيب أنتم لا تضعفون بنكيران بل تضعفون الدولة وثقة الناس في التجربة الديمقراطية، أما زعيم المصباح فإنه لا يوجد في وضع مريح مثل ما هو عليه الآن.. في جيبه ورقة الفوز في الانتخابات التشريعية بالمرتبة الأولى، وفي جيبه ورقة مليوني صوت وضعت ثقتها فيه، وفي جيبه احتراق خصمه في البام وتوجه الدولة العميقة للبحث عن بديل جديد، وفي جيبه ثقة الملك محمد السادس الذي كلفه بتشكيل الحكومة بعد 48 ساعة من إعلان نتائج الاقتراع، وفي جيبه دستور لا يعطي حلا للبلوكاج سوى الذهاب إلى انتخابات جديدة، يعرف الصغير قبل الكبير أن المصباح سيتوهج فيها أكثر إن توجه إليها الآن.
عندما أعلن صاحب الجرار الحرب على حزب العدالة والتنمية سنة 2007، كان بنكيران مجرد أمين عام للمصباح حوله جدل كبير في الحزب قبل غيره. اليوم، وبعد مرور تسع سنوات، أصبح بنكيران زعيما سياسيا يعرفه الصغير والكبير. يوم أعلنت الحرب على حزب العدالة والتنمية، كان المصباح مجرد حزب متوسط، أقصى طموحه أن يشارك بحقيبة أو اثنتين في بعض الحكومات.. اليوم صار حزب العدالة والتنمية أكثر من حزب سياسي.. حيث أضحى قطب الرحى في الحياة السياسية لدى أصدقائه ولدى أعدائه، وأكثر من هذا، نجح الآن في استقطاب حزبين عريقين إلى خيمته، حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، علاوة على أصدقاء كثر له في أطر الأحزاب الأخرى التي تتواصل معه وتشجعه من وراء قياداتها.
كل هذه الإنجازات ليست من عرق جبين بنكيران وإخوانه، وكل هذه المكانة ليست وليدة تطور طبيعي لحزب ليست له كفاءات كبيرة ولا خبرة عريقة.. جل قوة المصباح من غباء خصومه، وعدم إدراكهم التحولات الجارية في المجتمع المغربي.. هذه التحولات التي يعرفها بنكيران اليوم أكثر من أي أحد في المغرب.
أيام كان إدريس جطو وزيرا للداخلية، وأثناء التحضير لانتخابات 2002، قال، بخبرته السياسية والمالية والإدارية، للأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، الذي كان يبدي تحفظات على القانون الانتخابي: «السي العثماني، أنتم حزب يركب قاربا لا يحتاج إلى تجديف.. الموج يدفعكم إلى الأعلى، فلا حاجة لكم إلى بذل مجهود إضافي».
اليوم بنكيران لم يلجأ إلى عصا التجديف فقط، بل ركب محركا كبيرا لقارب العدالة والتنمية سنة 2011، وهو الآن يبحر وحده في يم خال من المنافسين.