على وزن أين الثروة يمكن إطلاق بحث آخر عن (أين السلطة؟)، على اعتبار أن الثروة والسلطة وجهان لعملة واحدة.
خيرا فعلت أحزاب الأغلبية عندما علقت اللقاء الذي كان مزمعا تنظيمه أمس لتقديم الحصيلة الحكومية. ففي الواقع، هناك أكثر من حصيلة لدى كل حزب من الأحزاب الأربعة التي جمعها الاضطرار وليس الاختيار تحت سقف واحد، لكن دعونا نسأل عن حصيلة أخرى لا يقدمها أحد ولا يسأل عنها أحد ولا يحاسب عليها أحد، وهذه الحصيلة تمثل الجزء الأكبر والأهم من جبل السلطة والمال والقرار العمومي.
من سيقدم حصيلة وزارة الداخلية التي تتصرف في ميزانية تتجاوز 19,8 مليار درهم، وتحصل على أكثر من 23 مليار درهم من أموال الضريبة على القيمة المضافة، توزعها (بمعرفتها) على الجماعات الترابية بدون رقيب ولا حسيب.
من سيقدم حصيلة أم الوزارات هذه التي تدير جيشا من الولاة والعمال والقياد والشيوخ والمقدمين ورجال ونساء السلطة الذين يديرون شؤون المدن ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة؟ من سيقدم الحساب عن سياسة هذه الوزارة تجاه الحريات العامة والفردية، وتجاه الإدارة الترابية، وتجاه تدبير قطاعي الامن والمخابرات للمواطن الذي سيذهب إلى صندوق الاقتراع ليقول كلمته في من سيحكم خلال خمس سنوات قادمة (زعما).
من سيقدم حصيلة وزارة التعليم التي يديرها الشيخ التكنوقراطي بلمختار وتتصرف في ميزانية سنوية تبلغ (45 مليار درهم)، وفي مصير ملايين الأسر التي تدفع بأبنائها إلى مدارس الدولة الفاشلة التي تُخرّج العاطلين والمعطوبين إلى سوق البطالة والعطالة.
ومن سيحاسب الفلاح الأول عزيز أخنوش، على تدبير قطاع الفلاحة والصيد البحري بميزانية سنوية تقدر بـ(30 مليار درهم) ومخطط أخضر تصرف عليه الدولة أكثر من 10 مليارات درهم كل سنة؟ وإلى الآن لم تقم أية مؤسسة عمومية أو هيأة للحكامة لا بتقييم مردود هذا المخطط، ولا بتدقيق حساباته الكبيرة والمتشعبة. فالملياردير (مول الغاز) يغضب من كل شخص اقترب من حديقته الخلفية هذه، وسأل عن مصير أموال المخطط الأخضر حسب زعمه، أو عن سجل حسابات شركة «أفريقيا» لدى صندوق المقاصة حتى بحسن نية ودون خلفية سياسية.
من سيسأل الصوفي أحمد توفيق عن إدارته لجزء مهم من الشأن الديني للمملكة وعن حصيلة تدبير ممتلكات كثيرة لهذه الوزارة، التي تسير الآلاف من المساجد بميزانية تقدر بحوالي 28,9 مليار درهم؟ من سيسأله عما تحقق؟ وماذا لم يحقق؟ وماذا سيفعل حضرته إن كتبت له ولاية رابعة في الحكومة المقبلة؟
ومن يسأل الجيش عن تدبير ميزانية الدفاع البالغة أكثر من 28,3 مليار درهم وهي الأعلى، بالنظر إلى الناتج الداخلي الخام للمغرب في كل المنطقة المتوسطية؟ ومن سيسأل عن مخططات التسليح وسياسات الدفاع في مملكة تحيط بها مخاطر عدة في الشمال والجنوب والشرق؟
هؤلاء وزراء فوق حكوميين وهم لا يعطون الحساب إلا للقصر، الذي وضعهم على رأس هذه الوزارة بشكل من أشكال التوافق مع رئيس الحكومة، الذي هاجم بعضهم في البرلمان، واشتكى البعض الآخر في وسائل الإعلام، وسكت عن آخرين حتى لا يزيد سفينته متاعب جديدة في بحر متلاطم، لكن إلى جانب هؤلاء الذين تعرفهم العامة، هناك (خدام دولة) آخرون يتصرفون في مساحات شاسعة من السلطة والمال العام ولا يقدمون حسابا لأحد. هناك 200 رئيس ومدير للمؤسسات والمقاولات العمومية، وهؤلاء جلهم لا يخضعون إلى السلطة الوصية عليهم باعتراف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، الذي نبه إلى ثغرات قانونية وتدبيرية تجعل من هذه المؤسسات تنفلت من أية رقابة أو وصاية أو توجيه من الوزارات التابعة لها. «هل يتصور أحد مثلا أن الرئيس المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير يتبع لوزير المالية؟ وهل يتصور أحد أن الرئيس المدير العام للخطوط الجوية الملكية يتبع لوزير التجهيز والنقل؟ وهل يتصور أحد أن مدير الضرائب ومدير الخزينة العامة للمملكة ومدير الجمارك يتبعون لوزير المالية أو لرئيس الحكومة»؟
التقيت موظفا كبيرا في الإدارة قبل أيام، قال لي لو كنت مكان عبد الإله بنكيران لما طلبت لا وزارة ولا سفارة، ليتفاوض فقط على 10 أو 15 (موقع مفتاح) poste clé في الدولة يستطيع بها أن ينزل قرارات مهمة وسياسات عمومية جوهرية تخدم الشعب وتخفف من معاناته. أما الوزارات فنصفها لا يصلح لشيء، والباقي له أجندة لا تتغير، وإذا تغيرت فإلى الأسوأ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اكتساب السلطة مثل شراء عقار، الموقع الجغرافي هو المهم، كلما اقتربت من المركز كلما ارتفع الثمن، الباقي تفاصيل.