بقلم : توفيق بو عشرين
غدا يفطر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عن الصوم عن الكلام المباح وغير المباح. منذ أكثر من شهر وهو يغلق فمه ويتأمل الأوضاع من حوله.
غدا في الرباط يرجع زعيم العدالة والتنمية إلى الميكروفون ليوجه رسائله الصريحة والمشفرة إلى خصومه وأصدقائه، إلى إخوانه وأعدائه. منذ تعرض للنقد الشديد في الخطاب الملكي لعيد العرش وبنكيران يحتمي بلغة الصمت حتى حضوره الدائم في مقر رئاسة الحكومة أصبح قليلا، كما أن نشاط حكومته شبه مجمد منذ أسابيع حتى صارت حكومة المغرب حكومة تصريف أعمال دون إعلان صريح عن ذلك، مع أن الدستور والقانون التنظيمي لعمل الحكومة لا يقولان بتجميد لا التعيينات ولا مشاريع القوانين ولا المراسيم ولا القرارات قبل إجراء الانتخابات، لكن الحكومة توقفت عن العمل وزهدت في شهرين من عمر ولايتها، وهذه إحدى الخصوصيات الفريدة للمغرب…
هناك نوعان من الخطابات التي تؤثث المشهد السياسي المغربي اليوم، وتبعث على التأمل في مفارقاتها العجيبة. هناك خطاب الدولة الواثق من نفسه ومن سياساته وقراراته، العائد إلى ما قبل 20 فبراير وكأنه يغلق القوس الذي فتحه الربيع العربي. هذا الخطاب يعلن استئناف نمط الحكم السابق على دستور 2011 بصيغ متعددة، ومنها النشاط غير الاعتيادي لوزارة الداخلية التي أصبحت تتدخل في كل شيء.. وهناك خطاب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي يذكر ويتذكر خطاب الربيع المغربي ويرجع إلى قاموس الشارع الذي لم ينزل إليه في 20 فبراير. خطاب بنكيران يعري نظام ازدواجية السلطة في المغرب ووجود دولة أخرى لا يعرف أحد من يديرها ويتحدث بصراحة، لم يعهدها المغاربة في من يدخل إلى دار المخزن، عن التحكم وتغوُّله، والفساد وضخامته، ومخاطر العودة إلى الوراء… بنكيران، وبعد أن جرب قيادة الجهاز التنفيذي لمدة خمس سنوات، رجع ضمنيا إلى خطاب 20 فبراير الذي كان يطالب بوقف الاستبداد والفساد والإصلاح العميق للدولة، حتى تقطع مع ماضي التسلط وتنال عضوية نادي الدول الديمقراطية التي لا تخشى العودة إلى الوراء…
اليوم تتسابق جل النخب (المفلسة) على احتلال مقاعد البرلمان، وعلى السعي للوصول إلى كراسي الوزارات، لكن من أجل ماذا؟ من أجل الدخول إلى نادي خدام الدولة في الكيلومتر 9، مع العلم أن البعض دخل إلى هذا النادي حتى قبل أن يصل إلى الحكومة.. هذا ليس هدفا نبيلا ولا هدفا يصب في خانة الصالح العام، هذا تموقع فردي واختيار مصلحي لا أكثر.
الانتخابات ليست مباراة ودية بين فريقين لا يهم من كسب فيها ومن خسر، والانتخابات ليست منشطات تضخ الحيوية في جسم الدولة السلطوية. والانتخابات ليست خضر فوق الطعام… الانتخابات آلية وسط منظومة حكم ديمقراطي متكامل. الانتخابات قنطرة للمرور إلى دولة الحق والقانون واستقلالية القضاء وحرية التعبير والنشر والتنظيم والاستثمار والمساواة أمام القانون ووجود دولة في خدمة المواطن وليس رعايا في خدمة دولة… الانتخابات آلية تكسب الشرعية والقوة لمن يختاره الشعب ليباشر الإصلاحات العميقة وليس ليؤثث المشهد ويساعد في الحكم.
الانتخابات في العالم نوعان، الأولى تجري في دول ديمقراطية لاختيار نخب جديدة للتسيير والإدارة وإصلاح الأعطاب الخفيفة التي تلحق الاقتصاد والاجتماع والإدارة، والثانية انتخابات تأسيسية للخروج من السلطوية إلى الديمقراطية وفق دفتر تحملات واضح ودقيق. فأين نحن اليوم من هذين النوعين من الانتخابات؟
لا أحد يتحدث عن شروط وممكنات الانتقال الديمقراطي في بلادنا، وجل النخب تعتبر المغرب وكأنه سويسرا أو إنجلترا أو السويد، حيث تجرى الانتخابات من أجل اختيار برلمان وحكومة جديدين ببرنامج اقتصادي واجتماعي، فيه أربع أو خمس نقاط في دولة حرة ديمقراطية متقدمة لها مؤسسات وتقاليد وأعراف حسمت في موضوع الحرية والتعددية والمساواة ودولة القانون واستقلالية القضاء وحرية الإعلام… نحن بلد لم يكمل بناءه الديمقراطي بعد، ولم ينزل الثابت الرابع من ثوابت المملكة إلى أرض الواقع (الاختيار الديمقراطي). نحن بلد يحتاج إلى انتخابات، نعم لكن يحتاج إلى إطار سياسي لهذه الانتخابات حتى تعطي ثمارها في حياة الناس. لهذا خرج الشباب في 54 مدينة وعمالة وإقليما يوم الأحد 20 فبراير سنة 2011 يرفعون صوتهم من أجله لو تذكرون…