بقلم : توفيق بو عشرين
ببحث إداري في سيرة المدعو حمّاد القباج، وكلف القايد والباشا ومقدم الحومة وبعض المخازنية بالتفتيش في أفكار ومواقف وكتب وعظات وفيديوهات الداعية السلفي، وفي اليوم نفسه، وضعت لجنة التفتيش في الضمير هذه تقريرا مفصلا على مكتب السيد الوالي، جاء فيه بالنص: «تبين من خلال البحث الإداري في شأن ملف الترشيح أن المعني بالأمر عبر، في مناسبات علنية، عن مواقف مناهضة للمبادئ الأساسية للديمقراطية التي يقرها دستور المملكة، من خلال إشاعة أفكار متطرفة تحرض على التمييز والكراهية، وبث الحقد والتفرقة والعنف في أوساط مكونات المجتمع المغربي…».
لم يقل لنا السيد الوالي على أي بند في القانون ارتكز ليأمر ببحث إداري في سيرة القباج الفكرية؟ وما هي المعايير التي استند إليها القايد والباشا ومقدم الحومة والمخازني للحكم على فكر القباج بأنه مناهض للمبادئ الأساسية للديمقراطية؟ وهل أعطى سيادة الوالي لفريق البحث دليلا لقياس منسوب الديمقراطية في دم القباج، أم ترك لجنة البحث تشتغل بمعرفتها، وبما تراكم لديها من تجارب ديمقراطية في تنظيم الانتخابات والاستفتاءات وكتابة التقارير للاستعلامات العامة؟ فلا يعقل أن يجهل هذا الجهاز، المكلف بالتفتيش في الضمائر والعقائد والأفكار، الفروق بين المذاهب السياسية، ولا بين أنماط الحكم الديمقراطي، ولا بين ما يصلح لهذه البلاد من ديمقراطية وما لا يصلح لها… بلا شك، لقد قرأ هؤلاء أطروحة الوزير طيب الذكر مولاي أحمد العلوي عن «الديمقراطية الحسنية» على صفحات جريدة «لوماتان» وسيهتدون بأدبيات مولاي احمد.
هذا يوم عيد في مراكش وفي كل أصقاع المغرب، لقد تحولت وزارة الداخلية، التي كانت متهمة دائما بمعاداة الديمقراطية وإفساد الانتخابات، والتدخل في شؤون الأحزاب، وصناعة الخرائط السياسية حتى قبل حلول يوم الاقتراع.. لقد تحولت أم الوزارات إلى وزارة حنونة على الديمقراطية، وعلى الدستور، وعلى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وعلى اتفاقيات مناهضة الكراهية والعنف ولابد الحكومة المقبلة من تغيير اسم الداخلية ليصبح وزارة الداخلية والديمقراطية.
أبشروا أيها المغاربة، لقد صار لكم ولاة وعمال وقياد وباشوات ومخازنية متشبعون بروح الديمقراطية الليبرالية في أسمى وأعمق معانيها، وأخذت كتائب الحرية هذه على عاتقها تطهير الخريطة السياسية من كل سلفي أو إسلامي أو شيوعي أو راديكالي أو فبرايري… ولأنها وزارة في خدمة الديمقراطية، وفي خدمة الشعب، وفي خدمة الحداثة، فإنها لن تكبد المواطنين عناء الاختيار بين سلفي من العدالة والتنمية وحداثي من «البام»، ستوفر عليكم المشقة، وستختار لكم من البداية المؤهلين للتنافس في الانتخابات، وستقرر من المترشحين الذين يتوفرون على العتبة الديمقراطية والذين لا يتوفرون على الأهلية الديمقراطية، فلا يعقل أن تتعبوا أيها المراكشيون أنفسكم، وأنتم في معزل الاقتراع، بالتفكير في ما قاله القباج وما لم يقله، وهل يستحق صوتكم أم لا؟ وهل هو عنيف أم سلمي؟ معتدل أم متطرف؟ سعادة الوالي وأعوانه نابوا عنكم، وقرؤوا آلاف الصفحات التي كتبها القباج، سامحه الله، وشاهدوا مئات الساعات من فيديوهات «يوتيوب» التي تحدث فيها القباج في كل شيء، في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والدين، وفقه الوضوء والنكاح والحج… ثم خرجوا بحكم قاطع لا استئناف فيه.
وإذا قال لكم أحد إن القباج هذا دعا إلى التصويت على دستور المملكة بنعم، وانتقد العدل والإحسان، وعارض السلفية الجهادية، ونادى بالوسطية والاعتدال، وميز بين اليهود والصهاينة في نقده لإسرائيل، فلا تصدقوه، واتبعوا نصائح التيجيني.. هذا العلامة الفهامة القادم إلى الإعلام من زوايا وتكايا مجالس الذكر في مداغ. القباج قال ما قاله تقية، وهذه الحيلة لا تخفى على ضباط البحث الإداري لأنهم متضلعون في الفقه على المذاهب الخمسة، ولقد سبق أن عثروا في المذهب الاثناعشري على مبدأ التقية، وعرفوا تطبيقاته وأحكامه… ماذا تظنون؟ هل الحكم سهل؟ وهل عيون السلطة تنام؟
ستسمعون كلاما كثيرا عن موانع الترشح، وأن ليس بينها تقرير البحث الإداري والـcv الموازي الذي تكتبه لجان التقرير عن المرشحين، وستسمعون لغطا كثيرا عن غياب دليل أو حكم قضائي يثبت التهم الجنائية التي جاءت في بلاغ الوالي ضد القباج، وستسمعون مرافعات قانونية حول «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، بل هناك من سيقول إن الوالي الديمقراطي سقط في الشطط في استعمال السلطة، وإنه حول الولاية إلى محكمة تفتيش، وما يشبه لجنة صيانة الدستور، على وزن ما هو قائم في إيران.. هذه اللجنة التي تبت في طلبات ترشيح الرؤساء قبل المرور إلى التباري على المنصب، مخافة أن يتسلل عدو لله أو للدين أو للثورة إلى الحكم.
لا تلتفتوا إلى كل هذا الكلام، فهو من بنات تعليقات كتائب البيجيدي، وهي كتائب متفلتة، ولا تفهم في السياسة ولا في القانون ولا في فقه المرحلة. لو كان في قرار السيد الوالي، عبد الفتاح البجيوي، شبهة تجاوز للسلطة أو القانون أو الدستور، هل كان رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، سيصمت؟ وهل كان وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، سيبلع لسانه وهو المشرف القانوني على الانتخابات، ورئيسه هو المشرف السياسي على الاقتراع، في حين أن حصاد وكتيبة ولاته وعماله مجرد أدوات تنفيذية لسياسة الحكومة. الداخلية لا دخل لها في ترشيح زيد أو عمرو، وسيان عندها أن تصعد حكومة ملتحية أو غير ملتحية من صناديق الاقتراع. كل ما يهم الولاة والعمال هي الديمقراطية في نبعها اليوناني الأصيل، وهذه واحدة من خصوصيات التجربة الديمقراطية التي سنصدرها غدا إلى العالم… بالله عليكم، هل سمعتم في بريطانيا أو فرنسا أو سويسرا أو الدانمارك وزارة داخلية تتكلم بلغة الغيرة على الديمقراطية، وتشكل لجنة بحث إداري في قناعات المرشحين، وتقيس منسوب الهم الديمقراطي في إيمانهم وعقائدهم وفكرهم؟ إذن، لا تشوشوا على التجربة، ومن كانت له ذرة شك، فليذهب إلى القضاء فهو مستقل، لعلمكم، لكن مذهبه في الأحكام وفي الاجتهاد وفي الفقه وفي المساطر هو الديمقراطية، ولا شيء غير الديمقراطية. هل تريدون أن يظهر في انتخاباتنا وبرلمانيينا أمثال مارين لوبان في فرنسا.. هذه العنصرية التي تخرق شعار الجمهورية الفرنسية (الحرية والمساواة والإخاء)؟
لا تضغطوا على الداخلية بمبرر أنها لم تقبض على القباج منذ 20 سنة، وأنها كانت تعلم أنه يروج الكراهية والعنف بين المواطنين، ولم تتحرك حتى قدم ترشيحه على قوائم «البي جي دي»، لا تضغطوا عليها بهذه الحجة لأنها قد تفعلها الآن، وقد تتابعه في عز الحملة الانتخابية (كل واحد وحملته)، وإذا كانت الشرطة قد صبرت عليه كل هذه المدة، فليراجع أفكاره، ألم تقرؤوا عن أوراش المراجعات الفكرية المفتوحة منذ مدة أمام السلفيين؟ هذه سياسة دولة، لكن أن يمر القباج من المساجد والمجالس ودور القرآن إلى تمثيل الأمة المراكشية في البرلمان، فهذا أمر آخر.