بقلم : توفيق بو عشرين
أعاد حزب العدالة والتنمية إقفال الباب بإحكام في وجه مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يريد أن يدخل إلى حكومة بنكيران الثانية تحت معطف أخنوش. وصدر بلاغ ليلة الخميس عن الأمانة العامة لحزب المصباح يحمل ثلاث رسائل؛ الأولى أن بنكيران ليس مستعدا ليشكل الحكومة الثانية «باللي كاين»، أي دون اعتبار لمصداقية الحياة السياسية والحزبية، على حد تعبير نص البيان، والرسالة الثانية تقول إن بنكيران هو المخول أولا وأخيرا لتشكيل الحكومة، وتحديد الأحزاب التي ستشارك فيها، وهذا معناه أن رئيس الحكومة يرفض الدور الذي يلعبه عزيز أخنوش، الذي انتقل من مشارك في الحكومة إلى شبه رئيس حكومة يرفض مشاركة هذا الحزب، ويفرض مشاركة حزب آخر في الأغلبية المقبلة، دون مراعاة للدستور الذي يعطي هذه المهمة لرئيس الحكومة، ودون التفات إلى تقاليد وأعراف تشكيل الحكومات في المغرب. أما الرسالة الثالثة فهي موجهة إلى إدريس لشكر ومن خلفه، ومن وعده بإدخاله للحكومة جزاء له على الدور الذي لعبه في البلوكاج. لهؤلاء يقول بنكيران: لا حكومة سوى مع أحزاب الأغلبية السابقة، أي الأحرار والحركة والتقدم والاشتراكية.
في الظاهر يبدو أن هذا البيان الصادر عن الأمانة العامة لا يحمل أي جديد، لكن في العمق هو يرد على ثلاثة أطراف، أولهم بعض قادة الحزب الذين تعبوا من الانتظار، وبدأ الخوف يدب في قلوبهم من احتمال ضياع الكعكة الحكومية والدخول في شبه قطيعة مع الدولة، وشرعوا في تسريب أخبار للصحافة عن احتمال قبول الاتحاد في صفوف الحكومة المقبلة، عنوانا عن المرونة والواقعية السياسية التي طالما تحلى بها الحزب في المعارضة والحكومة على السواء.
الطرف الثاني هو «جبهة البلوكاج»، التي اعتقدت أن مرور خمسة أشهر من الانتظارية القاتلة قد ترك مفعوله في مواقف زعيم حزب المصباح، وأن الأخير قد يكون «رطاب»، واستسلم للضغوطات التي مورست عليه، سواء بإبعاد حزب الاستقلال عن التحالف معه، أو فرض المالكي رئيسا لمجلس النواب دون موافقته، أو تشكيل أخنوش حلفا من أربعة أحزاب ضد رئيس الحكومة للتضييق عليه. لهؤلاء يقول بنكيران ويعيد: «إنني مستعد للتخلي عن رئاسة الحكومة والعودة إلى المعارضة»، وهو ما سماه البيان «المكتسبات التي راكمها المغرب على مستوى الإصلاحات الدستورية والسياسية».
الطرف الثالث هو إدريس لشكر ومن يقف خلفه، وفحوى رسالة بنكيران إليهم: «إنني لا يمكن أن أعطيك جائزة لأنك شاركت في البلوكاج، وإن الحكومة التي رفضت دخولها من الباب الرئيس لا يمكنك أن تدخلها من النافذة أو من الباب الخلفي، وإني إذا سمحت بهذا الآن، فإنني لا أدخل شريكا إلى الحكومة بل عدوا إلى البيت».
هذه هي رسائل البيان الأخير لحزب المصباح، وهو بيان يحمل نفسا تشاؤميا من قرب الإفراج عن الحكومة، التي تأخر ميلادها خمسة أشهر ونحن على أبواب الشهر السادس. وطول هذه المدة ووصول مشاورات تشكيل الحكومة إلى الباب المسدود يرجعان، من جهة، إلى عدم قبول الدولة بنتائج الاقتراع، وفي الوقت نفسه عدم توفرها على بديل لبنكيران، فسقط الجميع في انتظارية غير منتجة تماما. فإذا كانت السلطة تريد أن «تبرد طاجين» السابع من أكتوبر، وتحرم بنكيران من فرحة النصر، وقوة الدفع التي وفرتها له نتائج الاقتراع، فهذا حصل وزيادة، وفهم الجميع الرسالة. وإذا كانت الدولة لها خطة أخرى لإبعاد بنكيران وحزبه عن رئاسة الحكومة، فماذا تنتظر غير رفع تكلفة هذا الخيار اقتصاديا وسياسيا.
من جهة أخرى، يرجع سبب طول زمن البلوكاج إلى غياب قنوات التواصل التي تسهل الوصول إلى حلول وسطى، وتجعل للماء طريقا بين حي الليمون والبلاط الملكي دون سوء فهم، ودون تدخل عناصر أخرى لا تنقل الرسائل بأمانة وموضوعية، ذلك أن الحوار بين الحزب الإسلامي والدولة يتم، منذ إعلان نتائج الاقتراع، عبر الإعلام والتصريحات والرسائل المشفرة وتقطار الشمع، وهذا الأسلوب في التواصل في مناخ غير سليم يتعرض لتأويلات وتلاعبات وتحريفات لا تساعد على فهم وتفهم كل طرف لموقف الآخر. أما ثالث سبب لهذا البلوكاج، الذي يشل عمل المؤسسات ويعقد مسار التحول الديمقراطي، فهو هشاشة النخب الحزبية، وتجريف الحقل السياسي الذي لم تعد الدولة تضرب له أي حساب. لقد أصبح نموذج الحزب الإداري الطيع والخانع هو الذي يستأثر باهتمام وإعجاب جل النخب السياسية، في اليمين واليسار والوسط.. نخب سياسية لا ترى فائدة في استقلال القرار الحزبي، ولا تطمئن إلى لعب دور النقد، أو حتى النصيحة، بتعبير أسلافنا المالكيين، الذين كانوا يقولون: «إن الراجح عندنا أن مناصحة أولي الأمر من الدين». أقرؤوا لعزيز الرباح حواره مع أسبوعية «الأيام»، حيث يقول، جوابا عما راج من أخبار عن انتقادات وجهها الملك إلى بنكيران أثناء استقباله يوم تعيينه رئيسا للحكومة: «إن جلالة الملك هو رئيسنا جميعا، وهو أمير المؤمنين، يقوم بالتوجيه والنصح، وأحيانا الانتقاد، وهذا شيء جميل ومهم ومطلوب». انتهى الكلام، وانتهت السياسة بمفهومها المعاصر، وانتهى الاحتكام إلى الدستور، وانتهى مفهوم التعاقد، ودخلنا إلى كتب الآداب السلطانية وفقه التغلب.
المصدر : جريدة اليوم 24