بقلم : توفيق بو عشرين
رد حزب العدالة والتنمية التحية بمثلها إلى حزب الاستقلال، ورحب به في الأغلبية دون المشاركة في الحكومة، لأن الفيتو على شباط لا سبيل للقفز فوقه، وهو فيتو ليس مصدره عزيز أخنوش بالقطع. واعتبر بيان الأمانة العامة للمصباح، الصادر مساء الثلاثاء الماضي، قرار المجلس الوطني للاستقلال، دعم الحكومة دون الدخول فيها، موقفا تاريخيا، وإعلانا لتحالف وثيق دعما للديمقراطية واستقلالية القرار الحزبي.
فصل، إذن، انتهى في رحلة البحث عن مخرج سياسي لولادة حكومة جديدة، وبدأ فصل جديد بموازين قوى جديدة وخريطة جديدة، فما هي معالمها؟
لنبدأ بالخاسر الأكبر، وهو حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي رفض، قبل شهرين، دخول الحكومة من بابها الواسع، وها هو الآن يتوسل إلى أخنوش أن يدخله إليها من النافذة الضيقة. بنكيران لم يعد راغبا في إدخال لشكر إلى بيت الحكومة لأنه خذله عندما دق رئيس الحكومة بابه أكثر من مرة دون أن يتلقى جوابا، وفهم أن الاتحاد يقف في خندق المعسرين لا في جبهة الميسرين كما ادعى. مؤسف حقا أن ينتهي مآل حزب كبير إلى ما هو عليه اليوم، حيث صارت قيادته محل سخرية كبيرة في الحقل السياسي.
الرابح الأول في هذه الجولة هو بنكيران، الذي كان بحوزته 125 مقعدا، فصار الآن في جيبه 171 بعدما تلقى هدية من الاستقلال عبارة عن 46 مقعدا دخلت إلى الأغلبية دون أن تدخل إلى الحكومة، وهذا معناه أن بنكيران سيحوز نصيب الاستقلال من الوزراء، وسيفاوض أخنوش، ومن يقف وراءه، من موقع من يملك 171 مقعدا في مجلس النواب، في حين أن أخنوش لا يملك إلا 37 مقعدا.
الذين خططوا للبلوكاج من أجل إضعاف بنكيران، وتشكيل حكومة على غير مقاس نتائج الاقتراع، لم يجروا حسابات دقيقة لموقف الاستقلال، الذي دخل في لعبة شد حبل حساسة مع الدولة، وحتى عندما انهزم شباط بفعل أخطائه القديمة والجديدة، فإنه منع خصومه من الفرح بهزيمته أو الاستفادة منها، فعمد إلى إعطاء أصواته للعدالة والتنمية، وإعلان التحالف مع المصباح لتعقيد الوضع السياسي أكثر، ودفع خصوم الحزب إلى كشف الأسباب الحقيقية وراء إبعاد الميزان عن المشاركة في الحكومة.
الآن، الكرة في ملعب بنكيران، وقد صرح، في اجتماع الأمانة العامة أول أمس، بأنه يفكر جديا في تقديم استقالته من رئاسة الحكومة إذا ما فرضت عليه مطالب لا يقبلها، أو ماذا كان هناك ابتزاز جديد له يمنعه من تشكيل حكومة تعكس نتائج الاقتراع وتنسجم مع الدستور… يقول المثل الصيني: «ليس مهما إن كان القط أسود أو أبيض.. المهم أن يصطاد الفئران». إن المطلوب الآن من قط بنكيران أن يصطاد جيدا الفرص المتاحة أمامه لتعميق مسار الإصلاحات الهشة في البلاد، والمعرضة، في كل وقت وحين، للتراجع إلى الوراء، وأن يجعل من التوافق بينه وبين القصر مقدمة لتسريع الإصلاحات، والانسجام مع الدستور، وتقوية المؤسسات، وليس للتفاوض على سقف جديد للدستور وللمؤسسات ولتوزيع الصلاحيات.
جوانب كثيرة مظلمة ظهرت في الثلاثة أشهر الماضية التي تعرضت فيها الحكومة لـ«التجرجير»، ومنها التنظير لخرق الدستور، والتلاعب بالأحزاب وإهانتها، والرجوع إلى مدح الملكية التنفيذية، وخلط الأوراق للتغطية على السلطوية، وغيرها من الألاعيب، لكن، مع ذلك، هناك جوانب «مضيئة» في هذه الأزمة السياسية غير المسبوقة في تاريخ المغرب، ومنها الفرز السياسي الجديد الحاصل بين الأحزاب الديمقراطية المستقلة في قراراتها، والأحزاب السلطوية التي بلا قرار ولا إرادة ولا كرامة… من حسنات هذه الأزمة، أيضا، ظهور حقيقة أن الدولة لا تفعل ما تشاء متى تشاء وكيف تشاء، وأن الحقل السياسي يشهد صراعا سياسيا ومفاوضات حقيقية ومعقدة بين الأطراف، تؤشر على أن لممثلي صندوق الاقتراع وزنا، وللرأي العام وزنا، وللدستور وزنا، ولتطورات الحقل السياسي وزنا. نعم، يمكن أن نختلف حول مقدار هذا الوزن، وثقله، وما يجب أن يكون عليه الوضع مقارنة بما هو موجود، وقدرة النخب الحزبية على الصمود، وعلى التجرد من الهواجس والمخاوف والأطماع وهي تسعى إلى بناء تجربة ديمقراطية جديدة، في بلاد عرفت إجهاض تجربتين على الأقل للتحول الديمقراطي؛ واحدة في 59 والثانية في 98… لكن، مع هذا، لابد أن ننتبه إلى أن الرهان على البام سقط، والرهان على التزوير الناعم للانتخابات والتحكم في كل نتائجها سقط، والرهان على عزل الفائز الأول بالانتخابات عن باقي الأحزاب سقط، وأن الأطراف المصابة بالحساسية من الديمقراطية في جهاز الدولة انتقلت من الهجوم إلى الدفاع.
المصدر : صحيفة اليوم 24