سمسار العقارات يدخل سوق السياسة

سمسار العقارات يدخل سوق السياسة

المغرب اليوم -

سمسار العقارات يدخل سوق السياسة

بقلم : توفيق بو عشرين

كإمبراطور مزهو بالنصر، أطل دونالد ترامب على حشد كبير من أنصاره من منصة الكابتول أول أمس، حيث أدى القسم أمام 750 ألفا من المدعوين إلى حفل تسلم مفاتيح البيت الأبيض من الرئيس الـ44 إلى الرئيس الـ45. هذه هي أمريكا، حيث حضر حفل تنصيب الشعبوي رقم واحد في العالم خمسة رؤساء مازالوا على قيد الحياة: الرئيس أوباما، والرئيس جورج بوش، والرئيس كلينتون، والرئيس جورج بوش الأب، والرئيس جيمي كارتر… هذا المشهد لا يحلم به الكثيرون حول العالم، ومنهم العرب.

أمريكا بلد كبير، وقوة عظمى موجودة ومؤثرة في كل العالم، أساطيلها في جميع البحور والمحيطات، وأقمارها الصناعية في كل السماوات، وثقافتها في كل المجتمعات. تكنولوجيتها في كل بيت، وشركاتها العملاقة بلا حدود. إنها دولة كبيرة ومشكلة كبيرة… لهذا، تابع العالم كله تنصيب تاجر العقارات، دونالد ترامب، رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية.. الرئيس الذي خرق كل القواعد والتقاليد والأعراف، وأولاها قاعدة الخبرة السياسية، وثانيتها الاعتماد على الحزب، وثالثتها التودد للإعلام، ورابعتها مراقبة اللسان قبل خروج سهامه، وخامستها ضمان استمرارية التوجهات الاستراتيجية للدولة.

دونالد ترامب سمسار عقارات جمع أكثر من خمسة ملايير دولار، لكنه لم يتقلد مهمة سياسية واحدة ولا منصبا إداريا، ولا تمثيلية شعبية قبل ترشحه للانتخابات الأخيرة. كل معرفته بالعالم تنحصر في البيع والشراء، وإقامة حفل لاختيار أجمل نساء الكون، والمشاركة في برامج تلفزيون الواقع. ترامب، وقبل أن يكسر الحزب الديمقراطي، هشَّم حزب الجمهوريين الذي تقدم باسمه للانتخابات، ورغم معارضة أقطاب الحزب له ولرعونته، فإنه فاز في الانتخابات دون دعم من المؤسسة الحزبية التي رجعت إليه خاضعة بعد انتصاره على كلينتون. ترامب يكره الصحافة والإعلام، ويعتبر السلطة الرابعة أسوأ ما خلق الله في هذا الكون. وفي المقابل، يعتمد دونالد على التواصل المباشر مع الرأي العام عبر حسابه في التويتر، الذي يضم 20 مليون متابع، وخطبه المباشرة في التجمعات. أول حوار أعطاه ترامب لوسائل الإعلام التقليدية كان لصحيفة إنجليزية. ترامب لا يدير الكلام في فمه قبل إلقائه إلى الجمهور.. عفوي إلى درجة التقزز، يتحدث في موضوعات حساسة كما يتحدث رجل الشارع في الحانة مع أصدقائه. مرة قال عن منافسته كلينتون: « Comment peut-elle satisfaire son pays si elle ne satisfait pas son mari ? »

ترامب وافد جديد من خارج المؤسسة، جاء ليزيل كل شيء وضعته نخبة واشنطن فوق طاولة البيت الأبيض، بما في ذلك التوجهات الاستراتيجية للأمن القومي. يرى أن روسيا ليست عدوا، وأن علاقات ودية ممكنة مع بوتن. يدعو إلى تمزيق الاتفاقية النووية مع إيران التي استغرقت كتابتها سنوات طويلة، ويتجه إلى محاصرة الصين تجاريا، واستفزازها في المناطق الحساسة من أراضيها، وكل هذا تحت شعار أمريكا أولا ومصالحها فوق كل اعتبار.

الطريق لن تكون سهلة أمام تاجر العقارات الذي اعتاد الصفقات المربحة. أول أمس خرج الملايين للتظاهر ضد برنامجه وضد تصريحاته وضد شعبويته وضد حماقاته، وهذه أول مرة يخرج الشارع الأمريكي للتظاهر في يوم تنصيب الرئيس الجديد، حيث يسود إحساس بأن ترامب لا يمثل كل الأمريكيين، وأنه غير قادر على علاج الجروح التي أصابت البلاد عقب حملة انتخابية صاخبة، لم توفر أي سلاح لم تستعمله… لهذا، يعتقد الكثيرون أن ترامب لن يكمل ولايته إذا لم يراجع قناعاته وطرق اشتغاله، وأن المؤسسة الأمريكية لن تستسلم له بسهولة.

كان وجه ميشيل أوباما العابس في حفل التنصيب صورة معبرة عن خيبة أمل أمريكا الأخرى التي تعارض ترامب، وتنتظر منه الأسوأ، لكن المحللين يَرَوْن في ترامب تعبيرا عن مرض أمريكا، ومرض الرجل الأبيض الذي لم يستطع أن يتكيف مع واقع العولمة، وضريبة السوق المفتوحة، وتداعيات الأزمة الاقتصادية، فراح يبحث عن حل سهل للمشاكل، فسقط في يد ساحر يزعم أنه قادر على إخراج البلاد من أزمتها، وأن قبعته السوداء فيها كل ما يطلب المشاهدون.

لسنوات، ظل الغرب ينتقد المجتمعات العربية، والشرقية عموما، ويشنع على نمو الانغلاق والتطرف والكراهية فيها، وميلها إلى الأصولية والقومية والشعبوية، ولم ينتبه إلى أن مجتمعاته هي أيضا معرضة للأمراض نفسها، رغم تطورها وتقدمها وحداثتها. هذا ما حصل، حتى صار الخوف برنامجا انتخابيا، وكراهية المهاجرين إيديولوجيا سياسية، ومعاداة الإسلام مذهبا فكريا، والانعزالية هروبا من الواقع.

قال ترامب، ذات مرة، في الحملة الانتخابية: “يمكنني أن أقف في وسط شارع فيفث أفينيو في مانهاتن، وأطلق النار على شخص ما، ولن أفقد أصوات الناخبين”. سنرى هل تصدق نبوءة السمسار، أم إن الرصاص الذي يهدد بإطلاقه يمكن أن يؤذيه.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سمسار العقارات يدخل سوق السياسة سمسار العقارات يدخل سوق السياسة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض - المغرب اليوم
المغرب اليوم - الصحف العالمية تتناول تحديات وآمال رئاسة جوزيف عون في لبنان

GMT 17:39 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

نواف سلام رئيس حكومة لبنان الجديد في سطور
المغرب اليوم - نواف سلام رئيس حكومة لبنان الجديد في سطور

GMT 19:28 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

خالد النبوى يكشف عن كواليس 4 شخصيات من أعماله
المغرب اليوم - خالد النبوى يكشف عن كواليس 4 شخصيات من أعماله

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الركراكي يكشف سر نجاح الركلات الحرة

GMT 13:15 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اكسسوارات "هاند ميد" للسيدات التي تحب الإختلاف

GMT 06:35 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تطور صاروخًا فضائيًا قابلًا لإعادة الاستخدام

GMT 03:47 2015 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

باحثون يحذرون من مخاطر تحمض المحيطات حول العالم

GMT 08:50 2017 الأربعاء ,09 آب / أغسطس

علماء يشرحون أهم أسباب "ارتجاع المريء"

GMT 12:15 2012 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

"فورد فيوغن" الهجينة الأفضل بين مثيلاتها

GMT 07:58 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حقيقة اختطاف طلبة جامعة الجديدة رجل أمن والاعتداء عليه

GMT 07:07 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف نوكيا Nokia 6
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib