بقلم : توفيق بو عشرين
جل الفاعلين السياسيين والإعلاميين عبروا عن إدانتهم للاعتداء على الحياة الخاصة لمستشار الملك محمد السادس، فواد عالي الهمة، ووزير الخارجية والتعاون، صلاح الدين مزوار، اللذين كانا ضحيتي فيديو مصور مأخوذ من جلسة خاصة في أحد فنادق الدوحة وضع على الفايسبوك، الأسبوع الماضي، من أجل تشويه سمعة ضحيتيه، والنيل منهما لأهداف مازالت مجهولة… فرغم أن الصيف ساخن، والحملة الانتخابية بدأت، والأسلحة خرجت من غمدها، فإن الطبقة السياسية والإعلامية عبرت عن استنكارها للمس بالحياة الخاصة للفاعلين السياسيين، ومحاولة تشويه سمعتهم لدى قطاعات واسعة من القاعدة المحافظة، والمصابة بحساسية تجاه الحريات الفردية، ونمط العيش المفتوح الذي تختاره أغلبية النخب المغربية منذ عقود.
هذا مؤشر إيجابي على نضج العقل السياسي والإيديولوجي للنخبة، وإن كان «شعب الفايسبوك» كان له رأي آخر، وتصرف كالدب عندما يشم رائحة الدم، فلا يتوقف حتى يطيح بفريسته، لكن، مع ذلك، لم ينتشر الفيديو بالصورة التي تصورها صاحبه، ولم تتمدد قضيته كبقعة الزيت، ولم يخرج الشريط من الأنترنت إلى المجال السياسي والإعلامي، ولم تكن له تداعيات ملموسة غير الإحساس بالألم الذي قد يسببه شريط مثل هذا لأي شخص تتعرض حياته الخاصة للعبث بها، ويجري هتك السرية التي يضع خلفها كل البشر جزءا من حياتهم وأسرارهم وخصوصياتهم ونمط عيشهم، لأي اعتبار من الاعتبارات.
الاختلاف السياسي ليس صراع حياة أو موت، وليس معركة يخرج منها المنتصر رافعا يده ويخرج المهزوم على نعش إلى القبر.. الصراع السياسي مبني على تعايش كل الأطراف، وعلى وجود قانون حضاري وإنساني لهذا الصراع يمنع الضرب تحت الحزام، ويمنع المس بالحياة الخاصة، ويمنع العنف المادي والرمزي، ويحث الأطراف جميعها على التنافس حول الأفكار والبرامج والمشاريع والسياسات، وليس حول من يعري الآخر أكثر، ومن ينتهك حرماته أكثر، ومن يشهر بالآخر أكثر، ومن يضرب الضربة القاضية.
هذه مناسبة للعودة إلى كل «الانحرافات» التي سقط فيها آخرون، أفرادا وأجهزة ومواقع وجرائد، ضد معارضين للنظام، تم التشهير بهم، والمس بحياتهم الخاصة، والتلاعب باستقرار أسرهم، وبل وجرى تسريب فيديوهات وصور لهم ولهن في غرف النوم، في انتهاك فاضح للحياة الخاصة ولسرية المراسلات والاتصالات… هذا، أيضا، يحتاج إلى إدانة واضحة، وإلى وقفة حازمة، وإلى تحريم سياسي لتقوية التجريم القانوني لهذه الأفعال، بل إن جهات في السلطة حاولت فبركة قضايا حق عام لصحافيين وسياسيين ونقابيين لحرمانهم من التعاطف الشعبي، ولمحاولة التقليل من أضرارهم على صحة السلطوية والتحكم في المغرب.
في بريطانيا، مثلا، يمنع القانون استعمال صور وفيديوهات كاميرات المراقبة إذا لم تكن مصحوبة بإعلان واضح في أماكن عامة، يوضح للناس جميعا أن هناك أجهزة تصوير تلتقط ما يجري أمامها، وأن استعمالها وارد ضدهم، حتى إذا هجم عليك سارق في منزلك، والتقطت كاميرا بيتك صوره وهو يسرق أو يقتل حتى، فإن القاضي يستبعد هذا الدليل الحي إذا لم تكن تضع على منزلك وفي مكان بارز إعلانا يقول بوضوح: «إن في هذا المنزل كاميرا تسجل ما يدور»… إلى هذا الحد تحمي الشعوب والأنظمة المتحضرة الحق في الصورة، والحق في كتمان الحياة الخاصة، ومنع التجسس على أي كان دون علمه، حتى إن كان مجرما أو إرهابيا.
أن يكون الشخص معارضا أو مستقلا، أو حتى ثائرا راديكاليا، هذا لا يبرر لأحد من الأفراد أو المؤسسات أو الأجهزة أو الحكومات أن يعريه أمام الملأ، وأن يدمر حياته الشخصية، وأن يؤذي عائلته، أو أن يدمر نفسيته.
أن يكون الشخص مشهورا أو غنيا أو صاحب سلطة أو نفوذ، فهذا لا يسمح لأحد بأن يتلصص على حياته الخاصة، وأن تقتحم منزله وثلاجته أو فراشه أو هاتفه أو علبة رسائله أو حسابه البنكي، بدعوى أنه شخص عمومي.
الذي يجعل سلاح الحياة الخاصة المدمر بلا فعالية وبلا نتائج شيئان: الأول هو تجريمه قانونيا وعدم الكيل بمكيالين إزاء ضحاياه، والثاني هو تجريمه سياسيا وفكريا، ورفض استعمال أو استغلال نتائجه. هذا سلاح قذر ويجب ألا يبيض. هذا ما سيجعل «الأشرار»، في كل المعسكرات، يمتنعون عن استعماله لأنه، من جهة، غير قانوني، ومن جهة أخرى، مرفوض من قبل المجتمع، بل وممقوت من يقترب منه… لأنه سلاح الجبناء كيفما كانوا وأينما وجدوا.