لا يحدث هذا إلا في المغرب

لا يحدث هذا إلا في المغرب

المغرب اليوم -

لا يحدث هذا إلا في المغرب

بقلم : توفيق بو عشرين

حكاية الخصوصية المغربية فيها جانبان؛ واحد مشرق يعبر عن فرادة الدولة والمجتمع المغربيين.. فرادة ولدت من رحم التاريخ والجغرافيا والتجربة الحضارية لأمة من الأمم، وفي الخصوصية أيضا جانب كاريكاتوري لا يعبر سوى عن التخلف، وإرادة إخفاء الأعطاب بغطاء الخصوصية المزعومة، وما هي بخصوصية.

إليكم بعض مظاهر هذه «الخصوصية الكاذبة» في مجال الممارسة السياسية، حتى لا نخرج إلى مجالات أخرى اجتماعية واقتصادية وثقافية يعج بها واقعنا، حتى صار الكثير منا يطبع معها ويتعايش مع مظاهرها وكأنها عادية، بل كأنها الأصل وما دونها استثناء.

في المغرب وحده يفاوض حزب على الدخول إلى الحكومة باسم ثلاثة أحزاب أخرى لا يجمعه بها رابط إيديولوجي ولا سياسي ولا تنظيمي. أكثر من هذا، يضع حزب الأحرار في زمن أخنوش شرطا واقفا لكي يشارك في الحكومة، يتمثل في مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في نسخته «الجديدة»، وكأن أخنوش أصبح كفيلا لإدريس لشكر، وراعيا رسميا لتدبير ضعف الاتحاد السياسي وهزالته الانتخابية، فإذا كانت الأحزاب يكفل بعضها بعضا، فرحم الله التعددية جوهر النظام الحزبي والديمقراطي.

في المغرب وحده يحصل حزب على رئاسة مجلس النواب وهو لا يملك إلا 20 مقعدا من أصل 395، وأكثر من هذا، ينهج سياسة «تخراج العينين»، ويدعى أنه يمثل الأغلبية مع حلفائه الذين صوتوا للحبيب المالكي من كل القبائل السياسية، بمن فيهم نواب البام ونواب عرشان -غفر الله ذنبه عن سنوات الرصاص- فيصبح الاتحاد ناطقا رسميا باسم الأغلبية المزعومة، ويصير بنكيران هو المسؤول عن البلوكاج والذي يمثل حزب أقلية، حيث لم يحصل سوى على 125 مقعدا في مجلس النواب!

في المغرب وحده لا تكتسي الأرقام أي قيمة، والمقاعد البرلمانية أي معنى، ويخرج مناضلو حزب الوردة الذابلة ليقولوا إن الاتحاد ليس فقط 20 مقعدا، بل إن الاتحاد حركة تحرر متجذرة في التاريخ والمجتمع، والاتحاد امتداد إفريقي ودولي من خلال الأممية الاشتراكية، والاتحاد أطر وكفاءات، والاتحاد 19 ألف معتقل ومهجر وشهيد ومجهول المصير.

إذن، لا تدققوا مع الأخ لشكر في مقاعده، ولا معنى للعقاب الذي أنزله الشعب به.. هذا حزب له 19 ألف معتقل ومهجر وشهيد ومجهول المصير.. هذا حزب متجذر في التاريخ والمجتمع. (السؤال: أي مجتمع هذا الذي لم يعط إدريس لشكر أي مقعد برلماني في الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وأكادير وتطوان وفاس ووجدة وسلا والمحمدية والقنيطرة ومكناس… أما حكاية العضوية في الأممية الاشتراكية فإنها تثير الضحك، كيف يطالب حزب بوزن سياسي وانتخابي في الحكومة فقط لأنه يحمل بطاقة العضوية في الأممية الاشتراكية؟ هزلت).

في المغرب فقط يعلن حزب أنه يتموقع في المعارضة، وأنه غير معني بالمشاركة في الحكومة، لكنه يمنح أصواته في مجلس النواب هدية لحزب يريد أن يدخل إلى الحكومة من باب رئاسة مجلس النواب. هذا ما فعله البام الذي يتباهى بإرجاع أجرة أربعة أشهر من أجور البرلمانيين، فيما هو يزكي لعبة خلط الأوراق في المشهد السياسي، ومبايعة جل الأحزاب أخنوش قائدا للمرحلة، مكلفا بتشكيل الحكومة عوضا عن رئيسها.

في المغرب فقط نجد رئيس حكومة ينتظر لمدة أربعة أشهر جواب الأحزاب المدعوة إلى المشاركة معه في الأغلبية، وهو يعرف أن القرار ليس بيدها، وأنها أدوات للتنفيذ وليست عقولا للتخطيط، والجميع ينخرط في تنزيل نص واقعي على مسرحية خيالية، فيتحدثون عن المشاورات، وعن شروط هذا الحزب أو ذاك، وعن الجواب عن العرض، وعن الكلام وعن نهاية الكلام، فيما جوهر الخلاف في مكان آخر تماما. الأمر يشبه حفل ختان طفل، كما كان يقول بنكيران نفسه، إذا دخل المدعو إلى الحفل وانشغل بالموسيقى والأكل والفرح والمدعوين، فإنه لن ينتبه إلى جوهر المناسبة التي يسيل فيها الدم ويشعر فيها الولد بالألم.

في المغرب، والمغرب وحده، يصبح الالتحاق بعضوية الاتحاد الإفريقي مدعاة لتأخير ميلاد الحكومة، واستضافة الكوب22 مبررا منطقيا لتمديد حالة الفراغ في الدولة، وسفر الملك خارج البلاد حجة قوية لتوقيف المشاورات حول إخراج الحكومة، في مملكة تعاني منذ سنة فراغا في الجهاز التنفيذي (انتبهوا إلى أن العمل الحكومي توقف قبل ستة أشهر من الانتخابات، تضاف إليها أربعة أشهر بعد الانتخابات، فحكومة بنكيران أمضت ستة أشهر كحكومة تصريف أعمال غير رسمية، وأمضت الآن أربعة أشهر كحكومة تصريف أعمال رسمية).

في المغرب، والمغرب وحده، يمكن أن نسمع عن «ديكتاتورية صندوق الاقتراع»، ويمكن أن نسمع أمينة عامة لحزب يساري تسخر من مليوني ناخب أعطوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية، وتقول عنهم «قوم احفظ واعرض»، في حين أن السياسيين في كل دول العالم الديمقراطية وغير الديمقراطية لا يجرؤون على السخرية من اختيارات الناخب، ولا يقتربون من تسفيه الآلية الديمقراطية في اختيار من يحكم.

في المغرب، والمغرب فقط، نجد المعارضة تعارض الحكومة وتوالي الحكم، وحكومة تدبر الشأن العام طيلة خمسة أيام في الأسبوع، ويمارس رئيسها المعارضة يومي السبت والأحد.

في المغرب، والمغرب فقط، نجد أن كلام زعيم حزب سياسي ضد دولة جارة يؤخذ وكأنه تصريح لوزير الخارجية، ويعاقب حزب كبير على زلة لسان أمينه العام، فيبعد عن المشاركة في الحكومة، ويخرج مستشار الملك ليقطر عليه الشمع في التلفزة الرسمية، فلا يجد شباط غير جثتي الراحلين باها والزايدي، رحمهما الله، يخرجهما من القبر ويرمي بهما الدولة العميقة… هل يحدث هذا في بلد آخر غير المغرب؟!

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا يحدث هذا إلا في المغرب لا يحدث هذا إلا في المغرب



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي

GMT 08:50 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

بيور غراي يعدّ من أفضل المنتجعات حول العالم

GMT 21:34 2017 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

فريق "وداد تمارة" يتعاقد مع المدرب محمد بوطهير

GMT 02:42 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

قمر في فستان أبيض قصير على "إنستغرام"

GMT 09:35 2023 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

محرك البحث "غوغل" يحتفل بيوم المعلم العالمي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib