بقلم : توفيق بو عشرين
الذي يتابع مهازل حزب التجمع الوطني للأحرار في شارع النخيل بحي الرياض بالرباط، وهو يبحث عن رئيس جديد للحزب بالهاتف كم خارج أعضائه، يقول مع نفسه إن النخبة السياسية التقليدية في الأحزاب وفي الدولة لم تفهم شيئا من درس السابع من أكتوبر، وإذا استمرت هذه النخبة المهترئة تتصرف بهذا الغباء، فإن بنكيران سيفوز عليها بالضربة القاضية في انتخابات 2021 وفي الانتخابات التي بعدها.
هل هناك حزب يحترم نفسه وأعضاءه وقانونه واسمه يبايع أمينا عاما جديدا لا يتوفر على بطاقة الحزب.. عضو سبق له أن غادر الحزب منذ خمس سنوات ليركب في قطار الفلاحة مع بنكيران؟ هل هذا حزب يرى في الحكومة جنة الله فوق الأرض، ويرى في المعارضة جهنم التي لا يحتمل لهيبها؟ هل هذا حزب يتلون في الشتاء بلون وفي الصيف بلون آخر، فينام مع هذا ويستيقظ مع ذاك، ويعتبر نفسه عجلة «سوكور» صالحة لكل السيارات؟ وفي الأخير تتباهى الحمامة بأنها أذكى مخلوق سياسي على الأرض… هذا له اسم واحد هو فن العبث، وهذا الفن لم يعد يستهوي أحدا سوى الأقلية التي مازالت تتشبث بآخر خيوط التحكم في الحياة السياسية، ولا تريد أن تقتنع بأن البلاد تغيرت، وأن المواطنين تغيروا، وأن الزمن تغير، ولهذا راحت الطبقة الوسطى في المدن تصوت بكثافة للمصباح انتقاما من الدولة التي تحتقر ذكاءها وتلعب معها بقواعد قديمة تهينها. راقبوا ما يكتبه الشباب اليوم في العالم الأزرق، وانظروا إلى حجم عدم ثقتهم في السياسيين، ورفضهم للعبة السياسة كما هي اليوم. كتبت إحدى المدونات في صفحتها على الفايسبوك: «أنا أريد وأنت تريد والمخزن يفعل ما يريد»، وآخر كتب: «الدولة تتعامل مع المواطن بالمعادلة التالية: كنتي مسمار يعوجوك، كنتي حمار يخوروك»… بدون تعليق.
اللعبة التي يحاول حزب الأحرار لعبها قبل الدخول إلى الحكومة واضحة، والذي هندسها يفتقر إلى الخيال. إنهم يريدون أن يحصلوا بالمناورات على ما فشلوا في كسبه في الانتخابات، تماما مثل جندي خسر المعركة على الأرض ويريد أن يحصل بالمفاوضات على مكاسب لم يصل إليها بالسلاح.. هذا أمر مستحيل، إلا إذا كان المفاوض على الطرف الآخر مغفلا أو «مقلوبة عليه القفة»، أو لا يعرف قيمة ما بين يديه من أوراق رابحة، وأولها تفويض جزء معتبر من الناخبين له لمواصلة الإصلاح عبر حافلة حكومية جديدة وفعالة ولها سائق واحد، وركابها منسجمون ويعرفون وجهتم جيدا.
الناخبون عاقبوا حزب الحمامة التائهة، وأنزلوه من مرتبة حزب متوسط (52 مقعدا) إلى مرتبة حزب صغير (37 مقعدا)، لأنه كان يضع رجلا في الحكومة مع البيجيدي ورجلا في المعارضة مع البام، ولن يغير حزب عصمان جلده في يوم واحد، كما أنه لن يمسح ذاكرة المغاربة بـ«غاز إفريقيا»، فاستدعاء عزيز أخنوش ليركب على الحمامة والحصان، ويدخل الجميع إلى البيت الحكومي، حيلة لن تنطلي على أحد. هذه عملية خلط للأوراق بعيدة عن المنطق، فالأحرار، بزعامتهم الجديدة، يحاولون قطع الطريق على دخول حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، وترك بنكيران وسط الأحزاب الإدارية المفتقرة إلى أي استقلالية في القرار، والهدف البعيد هو عدم ترك البام معزولا في المعارضة بإجبار الوردة والميزان على البقاء إلى جانبه، والهدف القريب هو وزرع حجر في حذاء بنكيران يقلق راحته لمدة خمس سنوات.
إذا كان الملك قد التزم بنص الدستور وروحه، وعين أمين عام الحزب الذي فاز بالمرتبة الأولى في انتخابات الجمعة الماضية، وكان باستطاعته أن يبحث عن اسم آخر من وسط حزب المصباح، فإن بنكيران ملزم باحترام روح السابع من أكتوبر، وعدم السماح لأحد، مهما كان، أن يزرع الألغام التي يمكن أن تنفجر في الحكومة في أي وقت (للذي نسي حكاية التوقيع على صندوق تنمية العالم القروي، وكيف جرى الالتفاف على مقتضى دستوري وقانوني في غفلة من رئيس الحكومة، الذي استيقظ ذات صباح فوجد توقيعه على المليارات من الدراهم وقد أصبح في خبر كان.. للذي نسي يمكنه مراجعة محرك البحث غوغل).
حزب الأحرار وزعيمه الجديد لا يتمتعان بأي استقلالية في القرار، سواء تجاه البام أو تجاه أطراف في الدولة أو تجاه أصحاب المصالح، وهما معا لن يقبلا العمل تحت رئاسة بنكيران، وقد كانا يهيئان معا لسيناريو آخر، وفوق هذا لا تستهويهما نزعات بنكيران الشعبية، ولا قربه من الفقراء والفئات المهمشة وسعيه إلى إنصافهم ولو بالحد الأدنى، ولهذا، الأحرار وزعيمهم الجديد سيدخلون إلى الحكومة من أجل الحصول على الوزارات الأساسية التي لا يمكن أن تسند كلها إلى التقنوقراط. إنهم مثل فريق كرة قدم خسر المقابلة بحصة ثقيلة، لكنه صعد إلى المنصة عند التتويج ويريد أن يشارك في حمل الكأس مع الفائز.
قبل أشهر كتبت في هذا العمود أنتقد تقلبات مزوار السياسية تحت عنوان: «مزوار.. لا ترقص مع كل أغنية تسمعها»، الآن أصبح الأحرار جميعا يرقصون على كل الحبال بدون أغانٍ ولا موسيقى، فقط بإشارات عن بعد وحدهم يفهمون مغزاها.