الزلزال السياسي ونهاية العماري

الزلزال السياسي ونهاية العماري

المغرب اليوم -

الزلزال السياسي ونهاية العماري

بقلم ـ توفيق بو عشرين

السياسة لعبة قاسية أحيانا، وهي تشبه مباراة لكرة المضرب ليس فيها تعادل، إما رابح أو خاسر، وهذا بالضبط ما يحاول إلياس العماري، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، أن يغيره أو يؤجله على الأقل، من خلال دفع المجلس الوطني للجرار إلى رفض الاستقالة التي فرضت على قيادة حزب لم يمضِ على تنصيبها سوى سنة ونصف السنة، فطلب منها النزول من المقعد الأمامي، وترك الحزب، وربما الجهة أيضا، عقابا على وعد لم يف به صاحبه، وعلى دور لم يقم به.

لم يستغرب إلا القليلون هذا السلوك للدولة مع إلياس العماري، فمن يدفع للعازف هو الذي يختار اللحن، وهذا ما ينطبق على حزب ولد وكبر في حضن السلطة، ولا يمكن أن يخرج من بيت الطاعة، لأن على رأسه متمرد يدعي أنه لا يأتمر بأوامر أحد، وأنه لا يشتغل عند أحد. الناس لا يدققون في الكلام والجمل الرنانة طويلا. الناس يرون الأفعال، والأفعال تقول إن الحزب كان ولايزال جزءا من نشاط السلطة في الحقل الحزبي، وأداة من أدوات إعادة ضبط الانتخابات من أجل الحفاظ على لعبة التوازنات القديمة في المشهد السياسي، حتى تبقى الأحزاب ضعيفة، والانتخابات مبلقنة والأغلبية مفقودة، والحكومات الائتلافية ثابتا من الثوابت الدستورية في المملكة، حتى وإن لم ينص عليها الدستور المكتوب.

إلياس العماري مناور كبير، وهي ميزة يمتلكها بالإضافة إلى ميزات أخرى، مثل قوة الذاكرة، والقدرة على بيع بضائع حقيقية وأخرى مفبركة لخصومه وحلفائه على السواء… لكن مثلما أن حبل الكذب قصير، فإن حبل المناورة قصير أيضا، خاصة عندما يضيق الملعب على صاحبه، ويجد نفسه في الزاوية الضيقة… فقد اتضح جليا وبالأرقام أن حزب الأصالة والمعاصرة غير قادر على وقف بيلدوزير العدالة والتنمية، وأن السلطة وضعت في أيدي إلياس وأصحابه كل الوسائل المالية والقانونية والسياسية التي تمتلكها، لكن الجرار تعثر في الطريق في انتخابات 2015 و2016، ولم يستطع أن ينزع من المصباح المرتبة الأولى، وكل ما فعله أنه تغذى على حصة الأحزاب الأخرى، الإدارية والوطنية، وأعاد تجميع مركب الأعيان في البوادي ليخوض بهم معركة لا تحسم إلا في المدن، فيما حصة بنكيران في صناديق الاقتراع ازدادت منذ ميلاد البام سنة 2008 بأكثر من 50 %. وفوق هذا اتخذ من التحكم شعار حارب به البام ومن يقف خلف البام بأقل تكلفة، مرة قال ولد العروسية لجمهوره في مراكش ساخرا من ترشح البام في دائرته: «أشنو جاب التراكتور لمدينة مراكش؟ ياك التراكتور حدو بلاكة الربعين؟ أي حدو البادية؟». لم يكن تعليق ولد العروسية من باب «تمشخير المراكشيين»، بل كان توصيفا دقيقا لعجز الأصالة والمعاصرة عن ممارسة السياسة في معقل السياسة، أي المدينة التي أصبحت تضم 70 % من سكان المغرب.
وللإنصاف، فإن إلياس العماري، أو غيره، كان أمام مهمة مستحيلة (منافسة حزب محافظ له قاعدة اجتماعية عريضة، وله جذور ترجع إلى أكثر من أربعة عقود، وبقيادة بنكيران الذي زاد الربيع العربي من قوته في الشارع).

أقصى ما فعله البام مسنودا بالسلطة هو أنه حصل على 102 مقعدا في مجلس النواب، وانتزع رئاسة مجلس المستشارين، وعددا من الجهات، لكن لم يستطع إلياس ولا غيره أن يقنعوا المجتمع بأنهم بديل، وأن وزنهم الانتخابي يمكن أن يصرف سياسيا، فهناك فرق شاسع بين الآلات الانتخابية والأحزاب السياسية، وهذا ما بدا واضحا في الحسيمة، حيث استولى البام على جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، وعلى المجلس البلدي لمدينة الحسيمة، وعلى المجلس الإقليمي، وعلى جل رئاسات الجماعات القروية المحيطة بمعقل الريف، لكن، عندما قتل بائع السمك، محسن فكري، رحمه الله، سنة 2016، لم يستطع الجرار، ولا السلطة التي تؤازره، أن يوقفا الزفزافي ورفاقه الذين خرجوا يطالبون بدم فكري في صورة دفتر مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية مازالت أصداؤها تسمع من وراء قضبان السجن… بل أكثر من هذا، بسبب شعبوية إلياس العماري وخلطه بين انتمائه العرقي وانتمائه السياسي، تحول البام إلى جزء من الأزمة في الحسيمة عوض أن يكون جزءا من حلها.
يوم غد الأحد سيجتمع المجلس الوطني للبام وليس على جدول أعماله سوى نقطة مهمة واحدة.. تقرير مصير الحزب بعد نهاية زمن العماري، وهي نهاية فرضت على الحزب، أما هو فلم يخترها، لأنه غير قادر على التصرف خارج القواعد المرسومة له.
إذا كان إلياس قد خرج من الباب وترك حزب الأصالة والمعاصرة، بعد خطاب العرش الذي جلد فيه الملك الطبقة السياسية وحملها مسؤولية الأزمة التي تتخبط فيها المملكة، فهل يرجع من نافذة المجلس الوطني بعد خطاب افتتاح البرلمان، الذي دعا فيه العاهل المغربي إلى إحداث زلزال سياسي كعلاج ضروري لكنس الجثث السياسية من الحقل الحزبي؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزلزال السياسي ونهاية العماري الزلزال السياسي ونهاية العماري



GMT 19:34 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 19:31 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 19:28 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 19:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib