بقلم - توفيق بو عشرين
جل المهتمين بالحقل الحزبي في المغرب يسألون اليوم سؤالا واحدا: ماذا ستفعل الدولة بحزب الأصالة والمعاصرة، بعدما اعترفت ضمنيا بأن المشروع فشل، وأن فك الارتباط به، ولو ظاهريا، أمر مستعجل، لذلك، جاء قرار إقالة العماري من على رأس الحزب، وتركه بلا بوصلة ولا خريطة طريق؟ حول هذا السؤال تدور الكثير من الأجوبة، أو قل الكثير من الاحتمالات، فهناك من يقول إن الدولة ستسحب رعايتها عن الجرار، وستتركه يتدبر أموره، كما فعلت مع الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، وغيرها من الأحزاب الإدارية التي ولدت في حجر القصر، ثم جرى التخلي عنها بعدما انتهت صلاحيتها، وهناك من يقول إن الدولة ستعمد إلى إدماج البام في الأحرار، والحصول على حزب إداري كبير يلعب دور التوازن الانتخابي مع العدالة والتنمية، أما التوازن السياسي، فهذه قصة أخرى، وهناك من يقول إن الدولة اقتنعت بأن سياسة خلق الأحزاب، أو تدجينها، أو إنزال قيادات فوق رأسها من الأعلى، سياسة فاشلة، والدليل أن حزب العدالة والتنمية، في ظرف خمس سنوات، اكتسح عمادات المدن الكبرى، وأخذ 125 مقعدا في البرلمان، ولولا المتاريس التي وضعت أمامه لكان اليوم يبسط سيطرته على أغلبية مجلسي النواب والمستشارين، وأن الذي يقف أمام حزب بنكيران ليست الأحزاب المنافسة، بل وزارة الداخلية وجهازها الإداري والسياسي، وحتى هذا الجهاز لم يتمكن من منع المصباح من تحقيق اكتساح انتخابي غير مسبوق في 2015 و2016، ولولا نمط الاقتراع وشكل التقسيم والعتبة والمال السياسي، والأعيان الذين تدفقوا إلى حزب الدولة، لكان المشهد مختلفا تماما.
وهناك من يقول إن الدولة، في الظرف الحالي، لا يمكن أن تتخلى عن حزب الجرار، خاصة أن البدائل أمامها محدودة، أو قل منعدمة، وإزاحة إلياس العماري عن قيادة حزبها ما هو إلا عقاب شخصي له، بعدما فشل في المهام التي أوكلت إليه، رغم كل الإمكانات التي وضعت بين يديه، وبعضها كان محرجا للدولة، وحتى للقصر، أما الحزب فسيظل يلعب مع الأحرار والحركة والاتحادين الدستوري والاشتراكي الأدوار نفسها المساندة لسياسات الدولة في الحقل الحزبي والسياسي، وأن الرهان الفعلي هو إضعاف البيجيدي من داخله، وإعادة هيكلة حزب الاستقلال ما بعد شباط، في انتظار البحث عن نموذج سياسي واقتصادي لتصريف ملكية تنفيذية في قالب برلماني.
عبد الإله بنكيران له رأي آخر في حزب الأصالة والمعاصرة، فهو يقول لإلياس العماري: «إن استقالتك غير كافية، فأكمل عملك، وقم بحل الحزب الذي كان خطأ منذ البداية، وكان تأسيسه خطيئة كادت عواقبها تكون وخيمة لولا أن الله حفظ المغرب، وتنبه الملك إلى الأمر في اللحظات الأخيرة، أما حزب الجرار فهو غير قابل للحياة insurvivable…».
البام ليس حزبا بالمعنى الدقيق للكلمة.. البام تعبير عن خوف السلطة من اللعبة السياسية المفتوحة، وتعبير عن عدم ثقة الدولة في اختيار الناس، وهذا أمر ليس جديدا. جربه الحسن الثاني منذ بداية الاستقلال، وفي آخر حياته اعترف الملك المريض للمقربين منه بأنه مرتاح مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي، بل إن الملك الراحل أخذ من عدوه القديم عهدا على المصحف بالعمل على تأمين انتقال سلس للعرش من الأب إلى الابن، وكذلك جرى، قبل أن تدور عجلة الأحداث، ويرجع المخزن إلى اللعبة القديمة.. لعبة إضعاف الأحزاب بالتقنوقراط تارة، وبأحزاب اصطناعية تارة أخرى.
اختار الملك محمد السادس أن يخلخل المشهد الحزبي والإداري في خطاب العرش، لكنه لم يَسقط من الشجرة «المسوسة» للأحزاب والإدارة سوى إلياس العماري، وانتظر الناس الجواب عن سؤال: ثم ماذا بعد خطاب التشخيص القاسي لأوضاع الأحزاب والمؤسسات والإدارة في البلد؟ إلى الآن لا جواب. المتشائمون يقولون: ‘‘ليس هناك جواب على الطاولة، وإن الخطاب كان رد فعل سيكولوجيا على أوضاع سياسية سيئة’’، والمتفائلون يقولون: ‘‘هناك جواب ملكي سيأتي، لكن توقيته لم يحن بعد’’.
في كل الأحوال، هناك أزمة سياسية مفتوحة في المملكة على كل أنواع التطورات، الحكومة ضعيفة ولم تقنع أحدا، والحزب الأول يضع رجلا في الحكومة ورجلا في المعارضة، والأغلبية شعوب وقبائل والوضع الاقتصادي الاجتماعي لا يسر أحدا والأمل الذي كان يشد انتباه الناس إلى غد أفضل تبدد وطاجين الانتخابات احترق بفعل أشهر من البلوكاج، أما ما يجري في الريف من حراك لم يهمد لمدة 11 شهرا، ما هو إلا الحرارة التي ترتفع في الجسد تعبيرا عن اختلال وظائفه.