بقلم : توفيق بو عشرين
جل الأحزاب السياسية توصي المواطنين خيرا بأصواتهم، وتدعوهم إلى الخروج يوم الجمعة 7 أكتوبر إلى مراكز الاقتراع أفرادا وزرافات للتصويت، ولاستعمال هذا السلاح في عقاب هذا الحزب ومكافأة الآخر، وفي اختيار من يحكم لمدة خمس سنوات. ومن الأحزاب من ينهى المواطنين عن بيع أصواتهم في سوق النخاسة السياسية طمعا في المال أو خوفا من السلطة، لكن هل جرب أحد أن يقلب السؤال، وأن يوصي الأحزاب السياسية، يمينا ويسارا ووسطا، خيرا بأصوات الشعب؟ هل هناك من يدعو الأحزاب إلى عدم بيع أصوات المواطنين بعد أن يحصلوا عليها، وتجري ترجمتها إلى مقاعد برلمانية وكراسي وزارية وصلاحيات دستورية وسلط قانونية؟
الذي يدعو الناس إلى المشاركة في الانتخابات يجب أن يكون قادرا على حماية أصواتهم وإرادتهم وآمالهم في جعل صندوق الاقتراع شفافا، هذا أولا، وفي جعل الانتخابات معبرة عن إرادة الأمة، هذا ثانيا، وفي تحويل الأصوات إلى إصلاحات وتغييرات يلمس الناس شكلها، ويتذوقون طعمها ،ويشمون رائحتها في حياتهم اليومية، هذا ثالثا. أليس التصويت تعاقدا بين طرفين فيه حقوق والتزامات؟
من غير معقول أن تتحول الانتخابات إلى كرنفال احتفالي، فيما تبقى دار لقمان على حالها، إن كانت للقمان دار أصلا، ومن غير معقول أن يفوز أي حزب أو ائتلاف في الانتخابات ثم يقول للمغاربة إن «الملك هو الذي يحكم وإن رئيس الحكومة يساعده». من غير معقول أن تبقى في وزارة الداخلية روحا معادية للديمقراطية، ويأتي رئيس الحكومة المنتخب ليقول للناس هذه الحقيقة، ويزيد عليها: «واش أنا لوحدي غادي نخرج هاد الروح؟». من غير المفهوم أن يذهب ملايين المغاربة إلى صندوق الاقتراع ليدلوا برأيهم، ثم تخرج عليهم حكومة نصفها تقنوقراطي، وربعها شبه تقنوقراطي، والربع الآخر وزراء بلا سلطة، أو بلا ميزانية، أو بلا ولاء لبرنامج أو تعاقد، ورئيس حكومة يقضي جل وقته في الشكوى من التماسيح والعفاريت وازدواجية الدولة بين عميقة وأخرى أقل عمقا… إذا تفهم الناس إكراهات تدبير المرحلة السابقة فلا أظنهم سيقبلون المشاركة في متاهات هذه اللعبة المعقدة التي تجعل من الحكومة معارضة، ومن المعارضة سلطة، ومن الدستور وثيقة للاستئناس، ومن الدولة دولتين؛ الأولى تحكم والثانية تجلد في الإعلام والفايسبوك والبرلمان.
الانتخابات في الديمقراطية ليست تكميلية بل تأسيسية، ولست معلمة بل ملزمة، وليس خضرة فوق طعام، بل هي الطعام نفسه، وإذا لم تتحول لحظة الاقتراع إلى لحظة لتفكيك سلطة وإقامة أخرى، فإن الناس سينفضون من حولها، وسيلتحقون بحزب الكنبة الذي يتفرج على لعبة معروفة النتائج، وعلى «ماتش مبيوع» أو معاد على أقل تقدير.
إن انتخابات سنة 2011 وقبلها 1998 أعطت الأمل في جعل صندوق الاقتراع مرآة يرى المواطنون فيها أنفسهم وآمالهم وانتظاراتهم، وبدون تردد أزعم أن أمل 2011 قد ضاع، كما أن فرصة 98 أجهضت، عندما تم طَي صفحة التناوب التوافقي ببرودة دم، والمرور إلى حكومات التقنوقراط، وبعدها حكومة سياسية ضعيفة، إلى أن طرق الربيع المغربي الباب، فاستيقظت الدولة على خروج شباب العهد الجديد يطالب بإصلاحات عميقة، وملكية برلمانية، وخطة لمحاربة الفساد والاستبداد، لكن، بعد مدة، رجعت عقارب الساعة إلى الوراء، وصار برنامج السلطة هو امتصاص الإصلاحات التي أقرها الدستور، والالتفاف على النتائج التي أعلنتها صناديق اقتراع 2011.
إذا شارك في انتخابات السابع من أكتوبر المقبل أكثر من 40٪، رغم كل الجو غير الصديق (no frindly) وغير المحفز على المشاركة، فسأعتبر شخصيا أن المغاربة يمتلكون احتياطيا من الصبر يفوق ما يملكونه من احتياط للفوسفات تحت أرضهم، وأن الأمل مازال يحذوهم الأمل في جعل صندوق الاقتراع بابا للتغيير الهادئ لأوضاع المملكة.
حضرت يوم الأحد الماضي التجمع الذي نظمه حزب العدالة والتنمية في القاعة المغطاة لملعب مولاي عبد اللهـ ورأيت شابات وشبانا، ورجالا ونساء حجوا إلى الرباط من الأركان الأربعة للمغرب، يحذوهم أمل في رؤية بلدهم يتقدم، وصوتهم يكتسب معنى، وإرادتهم تتسلح بحرية الاختيار، وقلت في نفسي: هل فعلا يتسع صندوق الاقتراع، على حالته التي نعرف، لآمال هؤلاء وتطلعاتهم؟ وهل يقدر بنكيران وحزبه على حماية أصوات هؤلاء وغيرهم أثناء الاقتراع وبعد إعلان النتائج، وهو الذي ختم خطابه بالقول: «أيها المغاربة، أنتم في امتحان.. اعطيونا أصواتكم وخليوني مني ليهم».