شجرة بنكيران وغابة المخزن

شجرة بنكيران وغابة المخزن

المغرب اليوم -

شجرة بنكيران وغابة المخزن

بقلم - توفيق بو عشرين

السياسي الأكثر شعبية في المغرب هزمه حزبه.. هكذا علقت جريدة «إلباييس» الإسبانية، يوم أمس، على نتيجة تصويت أغلبية أعضاء المجلس الوطني ضد التمديد لبنكيران لولاية ثالثة.
لم يسبق لمادة في القانون الأساسي للأحزاب أن أثارت كل هذا الاهتمام في الداخل والخارج. لقد أصبحت المادة 16 من القانون الأساسي لحزب المصباح على كل لسان، لأنها تتعلق بالسياسي الذي نال شهرة كبيرة في المغرب وخارجه، وكان قادرا على جمع عشرات الآلاف من المغاربة في تجمع انتخابي أو سياسي، وكان باستطاعته تهدئة الشارع ومصارحته حتى بأكثر القرارات لاشعبية. سياسي يتحدث بدارجة المغاربة.. يضحك، يبكي، يغضب، يصرخ ويفكر بصوت مسموع، ولا يضع تحت لسانه أي قيد أو شرط، وفوق هذا خرج من رئاسة الحكومة كما دخلها نظيف اليد خاوي الجيب.
الضربة الأكثر إيلاما لم تأتِه من خصومه، بل من إخوانه، الذين شبهوه بالطاغية السيسي وبالديكتاتور بنعلي، من أجل سد الطريق عليه لدخول منافسات رئاسة الحزب في المؤتمر الثامن المقبل… الكثير من المراقبين يجزمون بأن تيار الوزراء، الذي قاد حملة شرسة ضد بنكيران، فعل ذلك بإيعاز من جهات في الدولة تكره بنكيران، وتخشى شعبيته، في التقاء مصالح غريب بين هؤلاء والإخوان الذين انحصر همهم في الحفاظ على حكومة العثماني المهلهلة، واتقاء شر السلطة، ووضع نقطة نهاية قبل الأوان للزعيم الذي قادهم إلى نصر لم يكونوا يحلمون به… لا دليل على هذا «الاتهام الجنائي» غير التحليل الذي يربط بين الشراسة التي أظهرها إخوان بنكيران ضده، واستعمالهم السلاح المحظور لقتله.. «الخوف من الاصطدام بالملكية»، لذلك، قال الصحافي المخضرم، حميد برادة، لهذه الجريدة: «ما يروجه أصدقاء العثماني من أن القصر لم يعد يرغب في بنكيران هو أمر غير صحيح. بنكيران ملكي أكثر من الملك، وهو ليس منبوذا من القصر، والدليل على ذلك أن زلزال الحسيمة لم يقترب منه، لذلك إنه لأمر خطير أن يستعمل اسم الملك في صراع حزبي داخلي».
هل يمثل الأعضاء الـ126، الذين صوتوا ضد بنكيران في المجلس الوطني، الرأي العام داخل حزب العدالة والتنمية؟ وهل كان خصوم بنكيران سيسقطون الولاية الثالثة لو كان بنكيران مازال رئيسا للحكومة؟ وهل استحضر الذين شبهوا بنكيران بالسيسي وبنعلي طبيعة المعركة الجارية ضد الأحزاب، وضد كل الرموز السياسية التي تتشبث باستقلالية القرار الحزبي؟ وهل سيكتفي خصوم الحزب برأس بنكيران، أم إنهم سيمرون لقطف رأس الحزب وإخراجه من الحكومة، أو إخراجه من دائرة التعاطف الشعبي التي أوصلته إلى ما هو عليه الآن؟
كلها أسئلة مشروعة ستتضح معالم الإجابة عنها في المقبل من الأيام. السيد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وذراعه اليمنى، السيد مصطفى الرميد، لا يريان في هذه المرحلة إلا شجرة بنكيران، فيما غابة المخزن لا تظهر لهما، وسنرى إلى أين سيقودان الحزب دون مشروع إصلاحي، ودون هوية نضالية، ودون شجاعة في اتخاذ القرار، أو حتى لقول نصف لا. لو أن العثماني ملأ ربع موقعه في حكومة أخنوش لما طرح اسم بنكيران بديلا لإعادة قيادة حزب تعرض لانقلاب سياسي أبيض، بعدما فاز بـ125 مقعدا في البرلمان وفي كل المدن الكبرى والمتوسطة في المغرب، لكن حبل العثماني قصير، وظهر حكومته أقصر، لذلك، اتجه الشباب في الحزب، وجزء من الرأي العام خارجه، إلى عقد أمل جديد على بنكيران، الذي فاز في ثلاثة استحقاقات انتخابية صعبة، وقضى على حزب الإدارة الجديد الذي كان يرمز إلى التحكم، وخرج سالما من رئاسة الحكومة باتخاذ قرارات كبرى لم يجرؤ من سبقه على اتخاذها. دعك من أنه أزال عن المصباح رداء الجماعة، وألبسه رداء الحزب الجماهيري الذي يصوت له الغني والفقير، المحافظ والحداثي، الليبرالي والاشتراكي، فقط لأن كل هؤلاء لمسوا فيه الكثير من المصداقية وبعض الجرأة، وتصوروا أن الوقت حان لزواج المشروعية بالإصلاحية، والمحافظة بالديمقراطية، والملكية بالشرعية الانتخابية، وكل هذا في إطار توافق وتدرج وهدوء في إعادة إعمار المجال السياسي الذي خربته السلطوية والفساد على مدى عقود طويلة.
ليس أنصار بنكيران في الحزب وخارجه من خسروا زعيما كان يعد بالكثير، بل إن الدولة نفسها خسرت سياسيا كاريزميا كان يمكن أن تستفيد من خدماته، ومن صورته، ومن تأثيره في مناخ عام يشهد تصحرا غير مسبوق في الزعامات السياسية التي يمكن أن تلعب دور الوساطة، وتقود مشروعا لانتقال ديمقراطي لم يكتب له النجاح إلى الآن، منذ حكومات بلافريج وعبد الله إبراهيم وعبد الرحمان اليوسفي وبنكيران… بزوال بنكيران من على المسرح أصبحت الدولة وجها لوجه أمام الشارع، والمغاربة يقولون: «كن سبع وكولني».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شجرة بنكيران وغابة المخزن شجرة بنكيران وغابة المخزن



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا
المغرب اليوم - المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا

GMT 08:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا
المغرب اليوم - ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا

GMT 13:53 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

لجين عمران تروج لماركة حقائب شهيرة

GMT 17:42 2023 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

أفكار جديدة لديكورات غرف المكاتب المنزلية

GMT 05:48 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

تعرفي على "الصيحة" الأكثر رواجاً لتصاميم مطابخ 2019

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

أفكار لاستخدام "أسرّة الأطفال" في المساحات الصغيرة

GMT 20:54 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

عزيز بوحدوز يطلب من الجمهور المغربي أن يسامحه

GMT 07:34 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

كوكو شانيل تبيّن حبها المتجدد لتصميم المجوهرات

GMT 02:49 2015 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

ساو باولو البرازيلي يودع الحارس الأسطورة روجيريو سيني

GMT 14:13 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

الأمير سليم يعلن خطبته على حبيبة مهند السابقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib