توفيق بو عشرين
ظهر بلا طعم ولا رائحة ولا موقف ولا رأي ولا إيديولوجيا ولا فكر، ولم يسعفه انتماؤه إلى الدار الكبيرة لعلال الفاسي في اقتباس شيء من سيرة السلف الصالح، أما الخلف فتلك قصة أخرى… الاستماع إلى الأمين العام لحزب الاستقلال الجديد، نزار بركة، على مدى ساعة ونصف في برنامج مخدوم، مثل ذلك الذي يقدمه التيجيني على قناة العرايشي، تمرين ليس سهلا، وهو أشبه بجلسات للتعذيب النفسي في كوميسارية الإعلام الرسمي، عندما تكتشف أن الضيف جاء من أجل تسجيل الحضور ليس إلا، وأنه لا يجيب عن أي سؤال مما يتبادر إلى ذهن المشاهد ولا يتبادر إلى ذهن المحاور.
نزار بركة رجل لبق ومؤدب، وابن الدار الاستقلالية، يمشي على البيض ولا يكسره.. أكثر محافظة من شيوخ الحزب الذين أفنوا عمرهم في السياسة، ويراعي مشاعر المخزن أكثر من النخبة المولوية التي نشأت وترعرعت في حزب سيدي علال. هو أقرب إلى التقنوقراط منه إلى مشروع زعيم حزب سياسي أو حتى أمين عام بالمواصفات العادية… هذا ما سيكتشفه المشاهد الذي سيضحي بساعة ونصف من وقته، ويجلس أمام التلفزة الرسمية ليسمع أجوبة باردة عن أسئلة معدة بطريقة وضع الكرة أمام لاعب في غياب حارس المرمى (وشوف واش يسجل الهدف أم لا).
سؤال واحد أجاب عنه السيد نزار بركة هو: هل عوضتم ممول الحفلات le traiteur الذي تكفل بإطعام مؤتمري الحزب عن الصحون التي كُسرت في غزوة المؤتمر الأخير؟ فأجاب نزار بنصف ابتسامة: “نعم، حزب الاستقلال يوفي بالتزاماته”. غير هذا لم يجب بركة الجمهور القليل الذي صمد إلى نهاية البرنامج عن الأسئلة التالية: هل أنتم في المعارضة أم في موقع المساندة النقدية للحكومة الآن؟ لا جواب. هل أنتم مع أو ضد استمرار حزب في الأغلبية بعد توجيه ورقة حمراء إلى وزرائه في أعقاب الزلزال السياسي الذي ضرب حكومة العثماني؟ لا جواب. هل أنت مع أو ضد الولاية الثالثة لبنكيران؟ لا جواب. بماذا تفسر تعثر توزيع المهام داخل اللجنة التنفيذية بعد أكثر من شهر على المؤتمر؟ لا جواب. هل أخطأتم عندما خرجتم من الحكومة سنة 2013؟ لا جواب. ألا يتناقض منصبك على رأس الأمانة العامة لحزب سياسي مع موقعك على رأس واحدة من مؤسسات الحكامة (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي)؟ ألا تفكر في الاستقالة من هذا الموقع؟ لا جواب، غير اللف والدوران حول السؤال.
نزار بركة نجح في إسقاط شباط، لكنه الآن عالق في شباك حمدي ولد الرشيد، الذي يرى «الزميل» التيجيني أنه أصبح من القادة التاريخيين للاستقلال، مع أن حمدي، الملقب بثعلب الصحراء، لم يلتحق بحزب الاستقلال سوى في 2002، بعدما نزع بذلة قايد في العيون، حيث كان يعمل رجل سلطة يقدم خدماته لحزب الوبر الذي كان أخوه يترشح باسمه.
قال نزار إنه اليوم أمين عام كل الاستقلاليين، وأنا أصدقه، لكن هذه رغبة وليست حقيقة.. “ما كل ما يتمناه المرء يدركه”، كما قال المتنبي، فحمدي ولد الرشيد، الذي أدخل ابنه معه إلى اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال (لأول مرة في تاريخ هذا الحزب يجلس الأب والابن حول الطاولة نفسها في اللجنة التنفيذية التي كانت لها هيبة ومكانة واعتبار قبل أن تصير حلقة للمصالح الضيقة)، لن يترك نزار بركة يملأ مقعد الأمين العام، فإلى الآن، وبعد مرور 40 يوما على انتخاب بركة، لم يجرِ توزيع المهام بين أعضاء اللجنة التنفيذية التي يريد الثعلب أن يبسط يده عليها مع أقربائه. الذي يدفع المال هو الذي يختار اللحن.. هذه القاعدة صالحة في الغناء وصالحة في السياسة كذلك، لذلك، فإن الأغلبية الكبيرة التي صعد بها نزار إلى الأمانة العامة لحزب سيدي علال لن تبقى في حوزته إلى آخر يوم له في المنصب. لقد كان المطلوب هو التخلص من شباط بأي ثمن، لأنه لم يلعب كل الأدوار التي طلبت منه. الآن، وقد زال شباط وصحبه عن قيادة الحزب، فماذا أنتم فاعلون به؟
لسان حال نزار وحمدي وياسمينة وجماعة المتابعين في ملفات الفساد في قيادة الحزب يقول: ‘‘سنلعب الأدوار التي تطلب منا صراحة، ونجتهد في ما لا تعليمات حوله. الأحزاب الكبيرة ماتت مع أصحابها، ولم يعد مطلوبا سوى لعب أدوار صغيرة في مشهد سياسي بلا رهانات كبرى، ولا مواقف مؤثرة ولا شخصيات كاريزمية. لا تحملونا ما لا طاقة لنا به. حزب الاستقلال الذي كنتم تعرفونه لم يبق سوى في كتب علال الفاسي، وافتتاحيات كريم غلاب، وسيرة امحمد بوستة وأبوبكر القادري والهاشمي الفيلالي وبوشتة الجامعي وعبد الخالق الطريس… هذا زمن رحال المكاوي وأبدوح’’…
أشك أن السيد نزار قرأ البيان الختامي للمؤتمر الأخير لحزبه، ولو فعل ذلك لظهر في لسانه شيء من لغة هذا البيان الذي لم يغادر صفحات جريدة العلم.