الوافد الجديد

الوافد الجديد

المغرب اليوم -

الوافد الجديد

بقلم - توفيق بو عشرين

صدق من قال إن مغرب الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى التسعينات كانت فيه النخبة السياسية تشكو غياب الجماهير أو ضعفها،  واليوم صارت الجماهير تشكو غياب النخب وانحسارها، كما وكيفا، نتيجة عوامل كثيرة، أبرزها مسلسل التدجين الذي تعرضت له نخب الأحزاب السياسية،  وتراجع دور التعليم، وتقلص فضاءات التأطير السياسي في الجامعات والجمعيات والنقابات. مقابل تراجع قوة ونفوذ النخب السياسية، اتسع حضور الشباب والمرأة والحركات الاجتماعية، وتقوى الطلب على الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي لرفع الصوت للمطالبة بالحقوق والحريات.

كثيرون كانوا يتأسفون على غياب رأي عام في المغرب، وكثيرون  كانوا يتمنون ميلاد  هذا الرأي العام في المملكة حتى يصير طرفا وحكما في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي  وفي الحياة العامة، لكن، عندما بدا أن هناك مؤشرات على ميلاد هذا الرأي من وراء تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، ومن خلف جمهورية «الفايسبوك» التي تضم اليوم  أكثر من 13 مليون مغربي، بدأ الكثيرون يتأففون من هذا الوافد الجديد، وبدأت الأصوات السلطوية في الداخلية والإعلام والقضاء والأحزاب والإدارة والبرلمان والحكومة… بدأت تشتكي سلطة الرأي العام، واتساع نفوذ هذا الدخيل على معادلة تقليدية يعرف فيها أهل الدار بعضهم البعض، ويتفاهمون بشأن تقاليد وأعراف التسويات السياسية، حتى وإن كانت مجحفة.

شكل الربيع المغربي، الذي أطل برأسه قبل ست سنوات، منعطفا كبيرا في دخول مئات الآلاف من الشباب إلى الحقل العام، إلى الاهتمام بالسياسة، إلى التعبير عن الرأي، إلى التفاعل مع الأحداث. رأينا ذلك يوم 20 فبراير 2011، حيث خرج مئات الآلاف من الشباب إلى الشوارع، في أكثر من 54 مدينة وإقليما وعمالة، يرفعون مطالب الإصلاح والتغيير والديمقراطية والحرية ومحاربة الفساد، وظل هؤلاء الشباب لمدة سنة كاملة في الشارع يرددون الشعارات والمطالب نفسها إلى أن جاءت حكومة بنكيران ووعدتهم بتحقيق مطالبهم داخل المؤسسات لا خارجها، بالتدريج لا بالجملة، والآن، بعدما فشلت وصفة بنكيران في تحقيق المطالب، وجاء العثماني يقول: «إن عمق مشروعنا هو الإصلاح الاجتماعي والثقافي، وليس فقط الإصلاح السياسي الذي يعلي البعض منه ويضخمه» (مقتطف من خطاب رئيس الحكومة في لقائه السبت الماضي مع مناضلي الحزب في الخارج!).. عند هذه اللحظة الفارقة، رأينا كيف أصبح هؤلاء الشباب يتفاعلون مع الحياة العامة، وكيف أصبحوا مشاركين بالتعليق بالفيديو، بالتظاهرات في الشارع، بالرسوم، بالنكت، بالأغاني، بالسخرية، بالأفلام… بأشكال تعبيرية كثيرة. صار المغربي يقول رأيه في السياسة والسياسيين، في السلطة وأصحاب القرار، في قرارات الملك واختيارات الوزراء والمديرين وكبار القوم. رأينا هذا في أعقاب حادثة كالفان، ثم تكرر مع فضيحة «الكراطة» في ملعب مولاي عبد الله، حيث لعب الرأي العام دورا كبيرا في  إقالة الوزير الحركي أوزين من وزارة الشبيبة والرياضة، ثم لحق به مول الشوكلاطة، الوزير الذي بعث علبة شوكلاطة إلى بيته على حساب الوزارة، ثم لحق بهؤلاء الكوبل الحكومي، الشوباني وبنخلدون، بسبب سوء اختيار التوقيت المناسب لزواجهما وهما في البيت الحكومي الحساس. والآن، نحن إزاء حراك الريف الذي يعتبر طفلا شرعيا لإجهاض الإصلاح.. هذا الحراك الذي يحركه الشباب دون وسائط تقليدية مع الدولة.

المهم هنا هو التقاط هذا التحول الذي وقع في المجتمع، الذي صار من الممكن أن ترشح عنه (أي المجتمع) وعن توجهاته وغضبه وفرحه وتأييده ومعارضته آراء عامة وتوجهات كبيرة،  والرأي العام، بالتعريف السوسيولوجي، هو «تكوين فكرة أو حكم عن موضوع أو شخص ما،  أو مجموعة من المعتقدات.  وقد تكون هذه الآراء المعبر عنها   صحيحة أو خاطئة، وقد تخص أعضاء في جماعة أو أمة تشترك في الرأي رغم تباينها الطبقي أو الثقافي أو الاجتماعي،  والرأي العام هو ذلك التعبير العلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة تجاه قضية معينة في وقت معين».

هذا لا يعني أن المغاربة لم يكن لهم رأي في السياسة والثقافة والفن والاقتصاد والشأن العام عموما، لا أبدا، مادامت ساعة الزمن تدور، فالإنسان يعبر عن رأيه في المرغوب والمرفوض، لكن المقصود هنا هو الرأي العام القوي والفاعل والمؤثر في القرار، والذي يملك فضاءات عامة للتعبير العلني عن نفسه دون قيود أو شروط أو خوف أو توجس. هذا هو الأمر الجديد الذي نراه اليوم، وهذا راجع، من جهة، إلى غنائم الربيع العربي الذي حرر القول في السياسة، ودفع بدماء جديدة إلى ساحة الفعل العام، ومن جهة أخرى، يرجع اتساع رقعة الرأي العام بالمغرب إلى جيل الشباب المسلح بالأنترنت، والمدمن على  وسائل التواصل الحديثة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوافد الجديد الوافد الجديد



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة

GMT 08:05 2022 الأحد ,20 آذار/ مارس

مطاعم لندن تتحدى الأزمات بالرومانسية

GMT 15:13 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يذبح والدته ويلقيها عارية ويثير ضجة كبيرة في مصر

GMT 12:02 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي اطلالات أزياء أمازيغية من الفنانات مغربيات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib