إبرة لوخز العقل السياسي

إبرة لوخز العقل السياسي

المغرب اليوم -

إبرة لوخز العقل السياسي

بقلم : توفيق بو عشرين

الدولة كلها تضع يدها على قلبها وهي تتابع الأحداث الساخنة في الريف، الذي شهدت عاصمته، يوم أمس، تظاهرة غاضبة على تصريحات أحزاب الأغلبية، التي اتهمت -بتحريض من وزارة الداخلية- الحراك بالنزوع إلى الانفصال، وتمويل التظاهرات بأموال الخارج.

الدولة جربت الحوار مع شباب الحراك الريفي الغاضبين منذ مقتل محسن فكري في شاحنة لجمع النفايات، ولم تجد آذانا صاغية، وجربت تسريع محاكمة المتهمين بالوقوف خلف حادث «مول الحوت»، وحاولت توسيع المتابعات القضائية ما أمكن لتهدئة النفوس الثائرة، ولم تنفع هذه المقاربة، ثم جربت الدولة إقالة مسؤولين، كبار وصغار، من عمالة الحسيمة، يتقدمهم عامل الإقليم الذي ضحت به الإدارة إرضاء «للثوار الجدد»، ولم ينفع الأمر، ثم جربت تسريع بعض الأوراش المفتوحة في الإقليم، وتقديم وعود بالتشغيل، فلم يصدقها أحد في الريف، ثم حاولت الداخلية أن تبحث عن وسطاء سياسيين واجتماعيين للوصول إلى عقل الريفيين، فلم تجد أحدا له مصداقية في الريف، فحتى الحزب الذي باع للدولة وهم المصالحة مع الريف تراجع إلى الخلف، وبعض تصريحات زعيمه زادت الطين بلة، خاصة عندما أخرج مطلب إلغاء ظهير عسكرة الريف، الذي لم يسمع به الكثيرون من قبل، حتى تحدث عنه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، محاولا في الوقت ذاته التزلف لشباب الحراك، وتقطير الشمع على الدولة التي تريد إحالته على تقاعد مبكّر، بعدما فوضت إلى أخنوش وحلفائه الجدد المهام التي كانت موكلة إلى الجرار، ومع ذلك، فشلت الدولة في إيجاد حزب أو نقابة أو جمعية أو برلماني له صوت مسموع في الريف، يحدث الناس فيسمعون. ثم لجأت الدولة إلى بعض التشدد الأمني لبث الخوف في نفوس الواقفين خلف الحراك، فلم يزدهم ذلك إلا عنادا وتشددا إزاء المخزن وسياساته. أمام هذه الوضعية، رجع العقل الأمني القديم إلى حملة تشويه حراك الريف بوصمه بتهمتي العمالة للخارج والسعي إلى الانفصال، وكالعادة، لم تقدم الداخلية دليلا واحدا على هذه الاتهامات الثقيلة، ولا قدمت أحدا إلى القضاء وهو متلبس بالجريرتين معا، فما كان من الدولة إلا أن عهدت بمهمة تشويه هذه الاحتجاجات الاجتماعية، التي لا تخلو من نفس سياسي ككل الاحتجاجات، إلى أحزاب الأغلبية التي لا تتوفر على أي تمثيلية في الريف، ولا يصل صوتها إلى باب تازة، فكيف سيصل إلى الحسيمة، ويقنع الساكنة بالعدول عن الخروج إلى الشارع، والكف عن سماع خطب ناصر الزفزافي التي تعزف ألحان الشهادة والاستضعاف، وتمتح من قاموس التمرد الريفي القديم في المنطقة؟

نازلة الريف هذه يجب أن تكون إبرة لوخز العقل السياسي للدولة، ودفعه إلى تأمل الحقائق الجديدة في مغرب اليوم.

أولا: في حديقة الفراغ السياسي لا تنبت سوى الأعشاب الضارة، ولهذا ليس غريبا أن يكون عمر حراك الريف في الحسيمة من عمر البلوكاج الحكومي في الرباط، فلو أن البلاد عرفت ميلاد حكومة في أكتوبر الماضي، وعرفت احتراما للمنهجية الديمقراطية في تشكيل الأغلبية، لما امتد الحراك الريفي إلى هذه الدرجة التي أصبحت فيها البلاد كلها قلقة على الاستقرار. لو تشكلت الحكومة من صندوق اقتراع السابع من أكتوبر، لوجد سكان الإقليم رئيس حكومة له مصداقية يحاورهم، وينصت إلى همومهم، ويعدهم بحل جزء من مشاكلهم. أما وإنهم وجدوا الفراغ، فقد تبعوا الزفزافي الذي يبشرهم بالنصر أو الشهادة!

ثانيا: كشف حراك الريف أن وزارة الداخلية لم تعد قادرة على إدارة الجيل الجديد من الاحتجاجات الاجتماعية، ولم تعد أساليبها القديمة ناجعة في إخماد الانتفاضات الاجتماعية، أولا، لأن هذه الاحتجاجات ليس وراءها الفاعل التقليدي (الحزب أو النقابة)، الذي كانت تضغط عليه أو تحتويه أو تتفاوض معه لتأطير الاحتجاج أو إخماده. ثانيا، وسائل الاحتجاجات الجديدة في التعبئة والتحريض والتواصل والشحن لا رقابة للدولة عليها إطلاقا، فرسائل الزفزافي وبيانات الحراك وصور التظاهرات ينقلها يوتيوب والفايسبوك مباشرة، دون المرور بأي غرفة تحرير أو صالة توضيب أو استوديو للأخبار، وهذا تطور هائل لا يمكن مواجهته بعصا الداخلية.

ثالثا: أظهر حراك الريف أن كليشيه «مشاريع التنمية المولوية» يحتاج إلى مراجعة، وتحتاج المقاربة التي تقف خلف هذه المشاريع إلى إعادة تقييم الأهداف والوسائل وآليات المتابعة والمحاسبة. هناك مشاريع كثيرة أشرف الملك على تدشينها ثم توقفت بعد مدة قليلة، وهناك مخططات صرفت عليها المليارات من الدراهم لم يصل منها إلى الفقراء شيء. التنمية لا تنزل من الأعلى، ولا تنبت في فراغ سياسي وتمثيلي، ولا تؤتي أكلها بعصا سحرية.. التنمية المحلية تبنى على أسس المشاركة الشعبية، والتمثيلية الديمقراطية، والحكامة الجيدة، والمحاسبة الدائمة، والتتبع والرصد المستمرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إبرة لوخز العقل السياسي إبرة لوخز العقل السياسي



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني

GMT 16:46 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

سقوط بالون طائر يحمل عددًا من السائحين في الأقصر

GMT 00:22 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

نيرمين الفقي تكشف سبب مشاركتها في مسلسل "أبوالعروسة"

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الثلاثاء

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 13:54 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بيتزا بيتي محشية الأطراف

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,04 آذار/ مارس

10 أشياء غريبة يحبها الرجل في المرأة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib