في عمق حراك الحسيمة

في عمق حراك الحسيمة

المغرب اليوم -

في عمق حراك الحسيمة

بقلم : توفيق بو عشرين

يتعلم طلاب السوسيولوجيا درسا مهما في منهجية استقراء الأحداث والظواهر والقضايا موضوع البحث. يقول هذا الدرس: ‘‘افهم قبل أن تحكم، ولا تترك الظاهر يخفي عنك الباطن’’… هذا ما لم تقم به الحكومة، ولا جل من يستسهل القول والتعليق على أحداث الحسيمة، كيفما كان توصيفنا لهذه الأحداث، أكانت تظاهرة، أم انتفاضة، أم حراكا، أم تمردا، أم مجرد احتجاجات عابرة.

لنعد بناء قصة «الحراك في الريف»، الذي بدأ في أكتوبر 2016 على وقع مصرع بائع السمك، محسن فكري، الذي صادرت الشرطة بضاعته، وأتلفتها في الشارع العام، مع أنه اشتراها من الميناء، تحت أعين وآذان المسؤولين، ومازالت القصة مستمرة، وتتمدد تفاعلاتها ومطالبها مثل بقعة زيت في منطقة حساسة محملة بمواريث متفجرة في علاقة المنطقة بالحكم المركزي بالرباط.

الذي جرى أن المطالب كانت محدودة في البداية (التحقيق الجدي في ظروف مقتل محسن فكري، وتقديم كل المتورطين، صغارا وكبارا، إلى العدالة). الذي جرى هو أن الدولة لم تعط الحادث، رغم خطورته، ما يستحقه من الاهتمام، واعتقد المسؤولون في الرباط أن زيارة وزيري الداخلية، حصاد والضريس، لبيت عائلة «الشهيد»، وتقديم واجب العزاء، والاجتماع مع بعض «المنتخبين» أمر كاف لإطفاء نار الغضب وقلب الصفحة، ولم تع الدولة أن محسن فكري صار ابن الريف كله، وأنه أشبه ما يكون بـ«بوعزيزي الحسيمة» الذي فجر غضبا مكبوتا في الشارع، وعرى هشاشة البناء الاقتصادي والاجتماعي، وفضح غياب التمثيلية الحقيقية للسكان، وأنهى المشروع المزعوم للمصالحة مع الريف. موت فكري الدرامي كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس. كان المطلوب معالجة سياسية واجتماعية واقتصادية، وليس تقديم واجب العزاء، وتنظيم اجتماعات صورية لتأثيث نشرة أخبار الثامنة والنصف في القناة الأولى… هنا أصبحنا أمام ما يسمى في الرياضيات «الدائرة الحلزونية» للمطالب، أي كلما ابتعدنا عن نقطة المركز، كبرت الدائرة، وهكذا بدأ دفتر المطالب يتسع إلى أن وصل اليوم إلى المطالبة بإقالة والي الجهة، ووزير الداخلية، وصدور ظهير شريف يلغي ظهير العسكرة المزعوم، ويعلن الحسيمة منطقة منكوبة، مع إعادة فتح ملف مقتل أربعة شبان في وكالة البنك الشعبي سنة 2011، مرورا بتخفيض سعر الماء والكهرباء، والتوقف عن نزع الملكية لأغراض المنفعة العامة، وتعيين مسؤولين في الإدارة متشبعين بثقافة حقوق الإنسان، وتخفيض أسعار المواد الاستهلاكية (مع أنها خاصة بقانون السوق)، وصولا إلى تأسيس أبناك تنموية جهوية، ووضع سياسات ضريبية شعبية تشجع على الاستثمار، والتسريع في إتمام أشغال الطريق الرابط بين تازة والحسيمة، وربط الحسيمة بخط السكك الحديدية، ومعاقبة مافيا العقار ولوبيات الريع في القطاع الفلاحي والصيد البحري، وبناء مستشفى خاص بالسرطان، وبناء جامعة متكاملة التخصصات، وإسقاط كل المتابعات القضائية في حق بسطاء مزارعي الكيف في الحسيمة والمناطق الأخرى.

هكذا نرى أن دفتر المطالب في الحسيمة يزداد كل أسبوع، إلى أن وصل إلى برنامج إنقاذ شامل للمنطقة يتطلب إطارا إداريا وترابيا وتمثيليا جديدا، وفوقه المليارات من الدراهم، وما لا يقل عن عشر إلى خمس عشرة سنة للإنجاز… والأخطر أن الاستجابة له، دون أن يكون جزءا من برنامج وطني للتنمية، ستشجع مناطق أخرى لتحذو طريق أبناء الريف لتحقيق المطالب في دولة السياسة فيها تعاند التنمية، والسلطة تحارب الحكامة، والدولة مصابة بحساسية من الشعب.

التوقيت في السياسة عنصر حيوي وأساسي، والمشكل الذي لا تحله اليوم بدرهم يكلف حله غدا 100 درهم، وقد لا تستطيع حله بعد غد. هذا ما جرى، حيث إن أزمة البلوكاج، التي كانت تشل الآلة الحكومية من 7 أكتوبر إلى 10 أبريل، جعلت أزمة الريف تكبر وتكبر مثل كرة الثلج في فراغ سياسي مهول، حيث أعطيت مفاتيح أزمة كبيرة لتقنوقراط الداخلية الذين يعانون داء كبيرا اسمه «الأمية في فهم الحركات الاحتجاجية في مغرب اليوم»، إذ لا يعرف عقل الداخلية إلا التكييف الأمني، وهو ما أنتج أطروحة «الانفصال والتمويل الخارجي» التي صبها الفتيت في أذن زعماء الأغلبية، وخرجوا مثل الببغاوات يرددون السيمفونية إياها. هذا ما كان بمثابة صب للزيت على النار، إذ أظهر إلى أي حد لم تستوعب الدولة عمق الأزمة التي انفجرت في الريف، وقد تنفجر في مناطق أخرى، لأن الثقة الزائدة في النفس، التي أظهرتها الدولة منذ أن قررت إغلاق قوس الربيع المغربي والتراجع عن الهامش التي فتح مع حركة 20 فبراير، إلى أن قررت صرف بنكيران من الخدمة، والالتفاف على نتائج الاقتراع، وإخراج حكومة هجينة لم يرَ الرأي العام نفسه فيها… كل هذا خلق أجواء نفسية وسياسية توحي بأن ميزان القوى رجع إلى وضعه القديم، وأن السلطوية راجعة إلى مكانها بأمن وأمان… ولهذا قال مصطفى السحيمي، في لحظة صفاء ذهني: “إن المخزن يتعرض لمحاكمة قاسية في الريف”.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في عمق حراك الحسيمة في عمق حراك الحسيمة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني

GMT 16:46 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

سقوط بالون طائر يحمل عددًا من السائحين في الأقصر

GMT 00:22 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

نيرمين الفقي تكشف سبب مشاركتها في مسلسل "أبوالعروسة"

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الثلاثاء

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 13:54 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بيتزا بيتي محشية الأطراف

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,04 آذار/ مارس

10 أشياء غريبة يحبها الرجل في المرأة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib