بقلم : توفيق بو عشرين
«أفسدت» وزارة الخارجية المغربية عطلة نهاية الأسبوع على السيد السفير الجزائري بالرباط، واستدعته على عجل إلى مقر الوزارة لتبلغه بعضا من غضبها واستنكارها وشجبها لما جرى على الحدود الشرقية الأسبوع الماضي، حيث أجبرت السلطات الجزائرية 54 لاجئا سوريا على مغادرة أراضيها بالقوة، والاتجاه، عبر الحدود الشرقية، إلى المغرب، في إخلال سافر بالاتفاقيات الدولية والواجبات الإنسانية والدواعي الأخلاقية، التي تمنع دولة من الدول من «التخلص من لاجئين دخلوا إلى أراضيها برميهم إلى الجيران بطرق غير إنسانية»، كما تمنع الاتفاقيات والأعراف الدولية دولة مسؤولة من العبث بأمن الحدود بطريقة لا تقبل في مجتمع الدول… أتصور أن السفير الجزائري المسكين دون ملاحظات الوزير بوريطة في ورقة، ووعد بتبليغ الرسالة إلى بلاده، وتحدث ببعض الجمل الدبلوماسية مما يحفظه السفراء عادة، وعندما سيرجع إلى مكتبه بالرباط سيدون ما رآه وما سمعه من عبارات، وقد يرجع بالجواب، وقد لا يرجع بأي جواب.
دعنا من اللغة الدبلوماسية، ولنتحدث لغة أكثر صراحة.. جارنا الشرقي لا يريد استفزاز المغرب عبر استعمال ورقة اللاجئين، ولا يريد جر الرباط إلى تسخين جبهة الحرب الباردة، ولا يريد المس بأمن المملكة عن طريق تسريب لاجئين على حدود مغلقة لا يعرف أحد هوياتهم ولا انتماءاتهم ولا مقصدهم… جارنا الشرقي يريد أن يبلغ الجميع، في الجزائر وفي المغرب، خبرا سارا من وراء هذه الحادثة الدبلوماسية، مفادها أن بوتفليقة حي يرزق، وأنه يشتغل من الصباح إلى المساء في مكتبه، وأنه وإن لم يكن قادرا على الكلام، ولا قادرا على استقبال رؤساء الدول الأجنبية، ولا قادرا على السفر خارج البلاد سوى للعلاج، فهذا لا يعني أنه غير قادر على الحكم، وعلى استفزاز جاره، الملك محمد السادس، الذي يقضي عطلته في ميامي، ويلتقط صور السيلفي مع رعاياه هناك.
بوتفليقة يواجه متاعب كثيرة، أولها متاعب صحته التي انتقلت إلى صحة الدولة، ثم انقسام le pouvoir، أي الطغمة الحاكمة في بلاده، حول من يخلفه، ثم يواجه الرئيس المريض اقتصادا متعبا بعد انهيار أسعار النفط، حيث فقدت البلاد في ظرف سنتين فقط 80 مليار دولار من احتياطياتها النقدية التي وصلت، سنة 2014، إلى 196 مليار دولار، وهي اليوم، في سنة 2017، في حدود 114 مليار دولار، والمصدر هو وزير المالية الجزائري ولا أحد سواه، وأنا أصدقه.
الجزائر تواجه، أيضا، جوارا متعبا خطيرا مع ليبيا حيث لا دولة، وحيث قطع السلاح، من كل حجم، بلغت 55 مليون قطعة تتحرك في أيدي مقاتلي القبائل وداعش والقاعدة وحفتر.. أما الجوار المقلق الثاني فمع مالي، حيث الدولة أوهن من أن تواجه فلول التطرف والمقاتلين الجوالين…
هذا ليس كل شيء، على كاهل الرجل المريض في قصر المرادية عبء اقتصاد متعب تقول أرقامه الرسمية ما يلي: سجل اقتصاد الجزائر نموا بنسبة 4٪ العام الماضي، لكنه تعرض لضربة قوية بسبب تدني أسعال الغاز والبترول. انخفضت عائدات تصدير المحروقات، التي تمثل 60٪ من ميزانية الحكومة، إلى النصف منذ 2014. كرد فعل على هذا الوضع، قلصت الحكومة نفقاتها بـ14٪ برسم العام الجاري، بعدما قلصت من نفقاتها بـ9٪ العام الماضي، كما رفعت من سعر الكهرباء والمحروقات المدعمة والضرائب، وجمدت التوظيف في القطاع العام. ورغم ذلك، واجهت الجزائر عجزا في الميزانية يبلغ 12٪ من الناتج الداخلي الخام العام الماضي، فيما تقلصت احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى 114 مليار دولار، بعدما كانت تصل إلى 196 مليار دولار في 2014. الدولة لم تعد قادرة على شراء السلم الاجتماعي بدعم المواد الأساسية، وبالاستمرار في تشغيل آلاف العاطلين في مناصب وهمية في القطاع العام. الانتخابات المقبلة لا ينتظر منها الكثير، فهي مثل عملية صيد صغيرة في أكواريوم زجاجي يعرف الجميع ما فيه من سمك، ومع ذلك فإن المراقبين لا ينتظرون انفجار الوضع قريبا في الجزائر، لأن البلاد مازالت تعيش تحت تحذير «عشرية الدم»، حيث قتل مئات الآلاف من الجزائريين في حرب أهلية في تسعينات القرن الماضي، بعدما أوقف الجيش المسلسل الانتخابي الذي حمل الإسلاميين إلى الحكم، بعدها انزلقت البلاد إلى عرس دم مدمر مازالت جل العائلات الجزائرية تتذكره عبر شهيد، أو شهادة اختفاء، أو رسالة مهجر، أو مصير مجهول، فالغريق يتعلق بأي قشة تمر من أمامه، كذلك فعل الجزائريون، حيث تمسكوا ببوتفليقة الذي وعدهم بالسلم الأهلي وبمداواة بلاد مجروحة.
إلى متى سيستمر مفعول هذا المهدئ الأحمر في جسم الدولة التي تعيش بدون مؤسسات قوية، وبدون أحزاب فعالة، وبدون اقتصاد منتج، وبدون خريطة طريق نحو المستقبل، لكنها تملك، بين وقت وآخر، مبادرات لاستفزاز جارها المغرب، ولتذكير الجميع بأن في البلاد حاكما حيا يرزق؟