نزار بين قدوتين

نزار بين قدوتين

المغرب اليوم -

نزار بين قدوتين

بقلم ـ توفيق بو عشرين

وضعت الحرب داخل حزب الاستقلال أوزارها، وتسلم نزار بركة أول أمس السبت مفاتيح مقر باب الحد، خلفا لحميد شباط، الذي اعترف بهزيمته أمام مرشح سبق وأن وصفه بمرشح المخزن. وقف الأمين العام الجديد للاستقلال ووعد بأنه سيكون أمينا عاما لكل الاستقلاليين، وأن ما جرى في المؤتمر هو عرس ديمقراطي…

لا أعتقد أن أحدا سيصدق حكاية العرس الديمقراطي هذا، بعد معركة الصحون، وبعد حرب الإخوة الأعداء الذين استعملوا كل الأسلحة ضد بعضهم البعض، من المال إلى البلطجة، إلى الاستعانة بجهات من خارج الحزب. ولعل أبلغ صورة رسمها وزير استقلالي سابق عن أجواء المؤتمر، هي ما قاله توفيق احجيرة عن تطويق قوات التدخل السريع لملعب مولاي عبدالله، حيث تجري أطوار انتخاب الأمين العام: (لو لم يتم اتخاذ كل هذه الاحتياطات، ولولا حضور رجال الأمن في محيط قاعة اجتماع المجلس الوطني، لما جرى انتخاب الأمين العام لحزب الاستقلال)…


بالطريقة نفسها التي جاء بها شباط إلى رئاسة حزب الاستقلال خرج بها من باب العزيزية، مهزوما بعد شهور من القصف والحصار وقص الأجنحة و(التمرميد) في أقسام الشرطة، وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية… الوصفة الآن أصبحت معروفة، إذا أردت أن تصل إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال، فأنت مطالب بتوفير ثلاثة شروط: أولها رضا الدولة عنك؛ ثانيها المال الوفير؛ ثالثها عُرّاب تنظيمي يوفر الكتائب واللوجستيك والتعبئة والتجييش في وزن حمدي ولد الرشيد، الذي استحق عن جدارة لقب (صانع الأمناء العامين) لحزب علال الفاسي…

مع ذلك، لا بد أن يقف المحلل المنصف على الفارق الكبير الذي فاز به نزار بركة على منافسه شباط، حيث حصل نزار على 924 صوتا مقابل حصول مناضل القرب على 230 صوتا فقط، وهذا يجد تفسيره فيما أظن في ثلاثة عوامل غير استعمال الأساليب غير المشروعة في استمالة الناخبين، والتي لا يمكن أن تحشد 924 صوتا كلها، بل إن جل أصحاب هذه الأصوات التي ذهبت إلى نزار بركة استحضرت ثلاثة أسباب جعلتها تنفر من شباط، حتى وإن لم تكن راضية مائة في المائة عن شخصية نزار، وعلى الظروف التي جاء فيها إلى قيادة الحزب…

أول هذه العوامل هي الأخطاء الكارثية التي ارتكبها شباط في إدارة الحزب، في ظل خمس سنوات انتقل فيها من الحكومة إلى المعارضة، ومن المعارضة إلى الأغلبية، ومن العداء لبنكيران إلى التحالف معه، ومن التناغم مع السلطة إلى التمرد عليها، هذا ناهيك عن إغراق الحزب بخطاب شعبوي وقرارات مغامرة…

السبب الثاني الذي جعل جل الاستقلاليين ينفضون من حول شباط وأسلوبه في ممارسة السياسة، هو الخوف من المواجهة مع الدولة، فحزب الاستقلال حزب محافظ من جهة، وحزب مصالح وأعيان وتكنوقراط وتجار وفئات وسطى جاءت للحزب من أجل الترقي الاجتماعي وليس لشيء آخر، فلم يعد المناضلون هم عمود الحزب الفقري، ولا عادت المعركة الديمقراطية هي الموجه لسفينته، مادامت القاعدة الاستقلالية الجديدة على هذه الشاكلة، قاعدة تملك فيها ثلاث أو أربع عائلات نفوذا كبيرا وقدرة على التأثير، فإن التوافق مع الدولة يصبح ضرورة قصوى، والابتعاد عن الاصطدام مع السلطة يصبح ورقة تأمين في الجيب، لا يمكن التخلي عنها.

ثالث تفسير في ظني لإقبال الاستقلاليين على التصويت بكثافة على نزار بركة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، هو اعتقادهم أنه سيقودهم إلى المشاركة في الحكومة اليوم أو غدا، وسيعبر بهم صحراء المعارضة إلى جنة الأغلبية، حيث توجد المناصب والمغانم والسلطة والامتيازات، وطبعا هذا الرجوع غير ممكن بالطرق الطبيعية والمشروعة، أي بالتصالح مع الفئات الناخبة وتجديد المشروع الاستقلالي، هذا أمر صعب وطويل وشاق، وأفضل منه في نظر (نخبة الاستقلال الوزارية)، هو التناغم مع توجهات السلطة، واللعب وفق خطتها في حقل حزبي وانتخابي يضيق يوما بعد آخر، بسبب نفوذ حزب العدالة والتنمية، وبسبب العزوف السياسي الذي يبعد الفئات الوسطى عن المشاركة الانتخابية…

حزب الاستقلال مريض كباقي الأحزاب المغربية، والمريض لا يقيم عرسا، بل يواجه حقيقة المرض بالصبر، والبحث عن العلاج، والوصفة ليست غائبة، ففي تقاليد حزب عريق وفِي سيرة كباره ما يسعف الباحث عن إيجاد حل للمأزق الحالي، والتخلص من سلطة الأعيان لصالح سلطة المناضلين، والتخلص من سلطة المال لصالح قوة الفكرة والمشروع، والتخلص من التبعية للدولة لصالح استقلالية القرار، والتخلص من الفساد لصالح مبادئ النزاهة والمعقول والتطوع للمصلحة العامة، الباقي سهل ويأتي مع الوقت…

تسلم نزار بركة مفاتيح مكتب الأمين العام للحزب، لكنه لن يتسلم مفاتيح الزعامة حتى يثبت أنه لن يكون رهينة في يد من صنعوه وسوقوا له من داخل الحزب وخارجه، وحتى يقدم أوراق اعتماد حقيقية تحفظ للحزب هويته التاريخية واستقلالية قراره، وحتى يعيد بناء حزب تعرض للتخريب بيد أبنائه وخصومه على السواء… إذا كانت هناك من نصيحة تقدم لنزار اليوم، فهي: (اجعل جدك من أمك قدوة (علال الفاسي)، ولا تجعل من صهرك نموذجا تمشي على طريقه (عباس الفاسي).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نزار بين قدوتين نزار بين قدوتين



GMT 05:49 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أمين عام من وزن الريشة

GMT 03:23 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مؤتمر الصحون الطائرة

GMT 06:04 2017 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

سر مكشوف

GMT 20:58 2017 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

بركة يقدم أوراق اعتماده…

GMT 05:13 2017 الجمعة ,26 أيار / مايو

الرميد يفجر لغما كبيرا

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
المغرب اليوم - المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع

GMT 18:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال "العتاولة 2"
المغرب اليوم - أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال

GMT 06:44 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 04 فبراير / شباط 2024

GMT 12:48 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب المغربي يتلقي حصة تدريبية خفيفة بعد هزم الأردن

GMT 04:10 2021 الجمعة ,14 أيار / مايو

الروسي حبيب نورمحمدوف يوجه رسالة للمسلمين

GMT 16:57 2020 الإثنين ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاح كورونا سيكون مجانًا للجميع في المغرب تحت إشراف "الصحة"

GMT 23:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظر التجول في جميع الولايات التونسية ابتداء من الثلاثاء

GMT 12:59 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون آثار ماء على سطح كويكب "بينو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib