ماذا لو اكتشفنا أن رأسمالنا غير المادي أفقر من رأسمالنا المادي

ماذا لو اكتشفنا أن رأسمالنا غير المادي أفقر من رأسمالنا المادي؟

المغرب اليوم -

ماذا لو اكتشفنا أن رأسمالنا غير المادي أفقر من رأسمالنا المادي

توفيق بو عشرين

مثل انتشار النار في الحطب اليابس انتشر مصطلح الرأسمال غير المادي للبلاد بعد الخطاب الملكي لعيد العرش
 وكأن النخب الاقتصادية والسياسية والإعلامية والحكومة سمعت بهذا المصطلح لأول مرة، وحتى قبل أن يشرع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب في إعداد دراسة علمية حول هذا الرأسمال غير المادي، بدأ وزير المالية يتحدث عن موقع الريادة الذي يتمتع به المغرب على رأس هذا السلم الجديد غير المرئي، وبدأت أبواق الدعاية تحاول أن ترسم صورة وردية بالكامل للمغرب الذي ظلم لعقود كثيرة في تقارير التنمية البشرية التي تصدر عن الأمم المتحدة، وبرنامجها الإنمائي الذي وضع المغرب السنة الماضية في الرتبة 129، أي بتراجع 5 نقط عن السنة الماضية...
الرأسمال غير المادي أو الرمزي هو جزء من النقاش والسجال في المؤسسات المالية الدولية وبين كبار الاقتصاديين ومراكز البحث حول قياس كل مصادر الثروة المادية وغير المادية في مختلف دول العالم، والهدف هو الوصول إلى قياس الملموس وغير الملموس في ثروات الشعوب بغية رسم صورة دقيقة عن اتجاهات النمو والتنمية فيها، وبغية تقييم ثرواتها بشكل جيد، لكن الرأسمال غير المادي لا قيمة له إذا لم يقد البلدان إلى تحقيق رأسمال مادي وقيمة مضافة يشعر بها الناس، مثلا ما قيمة تراث حضاري ومعماري عريق لا يزوره ملايين السياح كل سنة لأنهم لا يجدون وسائل نقل حديثة ومتطورة، وفنادق جيدة بأسعار معقولة، ومطاعم تقدم خدمة جيدة ومنتوجا سياحيا متكاملا.
لا بد من أن ننتبه إلى أن الرأسمال غير المادي مفهوم جديد، وهو جزء من أدبيات في طور التبلور، وليس شبكة معايير بديلة عن مؤشر التنمية البشرية. إن المعيار المعتمد لقياس أحوال البلدان هو مؤشرات التنمية البشرية التي تقيس التعليم والسكن والصحة والشفافية والبنية التحتية، والولوج إلى التكنولوجيا، وأحوال الإدارة والاستثمارات الداخلية والخارجية، والناتج الداخلي الخام، ونصيب الفرد من هذا الناتج، ومستوى الدخل والبطالة وعجز الميزانية واستقلالية القضاء...
الرأسمال غير المادي، مثلا، ينتبه إلى الاستقرار السياسي والوضع الأمني في أي بلد، وإلى الموروث الحضاري والثقافي، وإلى جودة البيئة والمناخ العام، وإلى ثقافة العمل والإنتاج والمبادرة لدى السكان، وإلى قدرة شعب معين على إدارة اختلافاته بالتي هي أحسن عن طريق التفاوض والتعاقد والتنازلات المتبادلة، عوض الصراعات والاضطرابات والحروب، والرأسمال غير المادي يقيس الإبداع في كل مجتمع، وصورة البلد في الداخل والخارج (l'image de Marque)، ومنتوجه السياحي ومطبخه وتراثه العمراني وفنه وموسيقاه وعدد مؤلفاته وترجماته وعدد مقاولاته الناجحة وعلاماتها التجارية المعروفة في الداخل والخارج، وثقة الناس في البلد واستقراره، وعدد الابتكارات فيه كل سنة، وجودة أطره في الداخل والخارج، وانفتاحه على العالم وعلى الثقافات واللغات الأخرى...
لكن هذا الرأسمال الرمزي يجب أن يقود البلد إلى رأسمال مادي حقيقي ينعكس على حياة الناس وجودة معيشهم. أخاف أن يقودنا هذا النقاش، في بيئة مغربية مريضة ومصابة بداء «الببغاء»، أي تكرار ما تسمعه دون وعي ولا تفكير ولا مسافة معقولة، إلى أن نحول النقاش حول أسباب ضعفنا وتخلفنا على مؤشر التنمية البشرية الذي لا يوجد الآن بديل عنه، إلى نقاش حول الرأسمال غير المادي ببلادنا الذي لا يضاهيه أي رأسمال آخر على ميزان الشعار المشهور الذي كان يقول: «المغرب أجمل بلد في العالم»، لكن، للأسف، لا يزوره سوى 10 ملايين سائح نصفهم من المهاجرين المغاربة الذين يزورون عائلاتهم كل عام، وتحسبهم وزارة السياحة على أنهم سياح مفتونون بجمال المغرب الذي لا يتوفر على متحف وطني إلى الآن، والذي لم تشيد فيه مكتبة وطنية إلا منذ بضع سنين.
انتبهوا.. قد نكتشف أن رأسمالنا غير المادي أضعف من رأسمالنا المادي.. من يدري.. تأملوا هذه المعايير وقارنوها بما تعرفون من واقع لا بما يردده التلفزيون. لا أدعو إلى التشاؤم بل إلى عدم التسرع، وانتظار الدراسة العلمية لا الدعاية السياسية...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا لو اكتشفنا أن رأسمالنا غير المادي أفقر من رأسمالنا المادي ماذا لو اكتشفنا أن رأسمالنا غير المادي أفقر من رأسمالنا المادي



GMT 19:50 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

نكتة سمجة اسمها السيادة اللبنانية

GMT 19:48 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

اكتساح حلب قَلبَ الطَّاولة

GMT 19:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاءوا من حلب

GMT 19:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

هو ظل بيوت في غزة يا أبا زهري؟!

GMT 19:39 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

... عن الانتصار والهزيمة والخوف من الانقراض!

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 19:33 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 19:30 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بعيداً عن الأوهام... لبنان أمام استحقاق البقاء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib