حزب يسود ويحكم

حزب يسود ويحكم

المغرب اليوم -

حزب يسود ويحكم

توفيق بو عشرين

أكبر حزب في المغرب ليس العدالة والتنمية ولا حزب الاستقلال، ولا 34 حزبا الأخرى التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. الحزب الأول في المغرب هو الإدارة التي تسود وتحكم.. تقرر وتشرع، وتنفذ أو لا تنفذ قرار الحكومة والبرلمان. بل إن الإدارة في المغرب تمتنع عن تطبيق حتى أحكام القضاء النهائية، وإطلالة سريعة على أرشيف الأحكام غير المطبقة تعطيك دليلا على ما نقول، بل إن «تسلط» الإدارة وصل إلى درجة أنها زرعت في مشروع القانون المالي لسنة 2015 مادة عجيبة وفريدة هي المادة 8 التي تحظر على المواطنين الحجز على أملاك الإدارة وحساباتها إن هي امتنعت عن صرف التعويضات للمتضررين وفق أحكام القضاء النهائية (وكنا أول من انتقد هذه المادة التي تعطل أحكام القضاء وتهضم حقوق المواطنين)، ولولا تشبث البرلمان، أغلبية ومعارضة، بضرورة إزالة هذه المادة التي وضعها تماسيح وزارة المالية، لكانت الحكومة خضعت لخرق الدستور والقانون عن طريق تمرير هذه المادة في القانون المالي…

كيف تغولت الإدارة المغربية على الفاعل السياسي والحكومي والبرلماني وعلى المواطن العادي؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، أستعرض أمامكم نماذج وأمثلة حية عما نتحدث عنه من انحرافات الإدارة التي صارت أكبر قطعة فولاذ في رجل المغرب تمنع تحوله الديمقراطي ونموه الاقتصادي…

السنة الماضية وضعت الحكومة مرسوما تطبيقيا لصرف منح للنساء المطلقات اللواتي يعجزن، لأي سبب من الأسباب، عن الحصول على النفقة، واعتبر هذا الإجراء، الذي وضع في عهد حكومة الفاسي ولم يرَ النور إلا مؤخرا، بادرة اجتماعية من قبل حكومة بنكيران. فماذا فعلت إدارة وزارة المالية، التي تعتبر نفسها جهة سياسية مكلفة بمهام أخرى غير صرف ومراقبة الميزانية، لتوقيف هذه المنحة للفقيرات من النساء؟ عمدت إلى حيلة التعقيد الإداري وتعطيل القرار السياسي، عن طريق وضع مرسوم معقد جداً به عشرات الوثائق التي لا يستطيع مكتب دراسات متخصص أن يجمعها، فما بالك بمطلقة فقيرة في مدينة أو قرية لا تملك قوت يومها، والنتيجة أن صندوق التكافل العائلي، الذي وضعت الحكومة فيه 16 مليار سنتيم، لم تصرف منه وزارة العدل، على مدار أكثر من سنة، سوى 1.2 مليار سنتيم، أي أقل من 10 في المائة. الآن وزارة العدل، التي ابتلعت الطعم السنة الماضية، تحاول أن تعيد النظر في كثرة الوثائق المطلوبة لاستفادة الفقيرات من النساء المطلقات من هذا الصندوق، والآن الحيلة نفسها تهيئها وزارة المالية لصندوق دعم الأرامل، حيث يشترط مشروع المرسوم عشرات الوثائق للاستفادة من 350 درهما للأرملة، منها وثائق لا يعرف أحد من أين ستأخذها الأرامل (وثائق جديدة لا توجد إدارة تعطيها أبدا)، يعني أن الحكومة ستقول للأرامل «سير ضيم»، ولهذا فإن المرسوم متعثر رغم أنه مر من المجلس الحكومي، أما لماذا هذا البلوكاج حتى لا يصل بعض المال إلى الفقراء، فإن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء لمعرفة أن الإدارة تتصرف كطرف سياسي لا يريد لأي حكومة أن تنجح ولا أن تصير لها شعبية، لأن الضحية الأولى لنجاح أي حكومة هو ضرب المصالح والامتيازات والعقيدة الإدارية التي أرساها تماسيح الجهاز التقنوقراطي في الإدارة منذ عشرات السنوات.

هل أعطيكم نموذجا آخر؟ صندوق المقاصة الذي كان يوزع المليارات من الدراهم على شركات المحروقات النافذة جداً في الدولة، والذي وزع سنة 2012، مثلا، 57 مليار درهم، هل تعرفون أن هذا الصندوق لا يتوفر على أكثر من 27 موظفا، بمن فيهم الشواش والسائقون والكاتبات.. الإدارة التي تعرف تضخما كبيرا للموظفين في مختلف الإدارات، وبعضهم عاطل لا يقوم بأي شيء، تدع صندوقا مهما، يوزع المليارات من الدراهم، دون أطر ولا مهندسين ولا محاسبين ولا مراقبين، وتتركه صندوقا فارغا من الإطار البشري، والغرض هو أن تجعله أرضا مستباحة للشركات العملاقة تنهبه كما تشاء، ولقد صرحت رئيسته سليمة بناني السنة الماضية، في التقرير الذي رفعته إلى الحكومة، بأنها «لا تستطيع أن تراقب الفواتير التي تقدمها شركات المحروقات، وأنها لا تملك الإمكانات التي بواسطتها تراقب كميات المحروقات التي تدخل إلى البلاد، وأن الصندوق يوافق على منح الدعم بناء على الفواتير المقدمة من قبل الشركات، وأن إدارة الصندوق لا تملك حتى اشتراكا عاديا في وكالة رويترز للأنباء يعطيها سعر صرف الدولار كل يوم، وسعر النفط في السوق الدولي». الخلاصة أن الصندوق بلا حارس ولا قفل ولا جهاز إنذار، ولكم أن تتخيلوا مصير ملياراته.

هل يوجد واحد فيكم يؤدي فاتورة الخضر أو اللحم أو السمك دون أن يراقب سلعته ووزنها وجودتها؟ طبعا لا، لكن الإدارة المغربية تؤدي المليارات من الدراهم لشركات المحروقات دون أن تراقب كميات المحروقات التي تدخل، وجودتها، ومكان استيرادها، هذا لا يعني أن الإدارة مغفلة، أبدا، الإدارة ذكية، لكنها تعرف مع من تتشدد، وتعرف مع من تستعمل «عين ميكا»، ولكل أجر وثواب!

أستطيع أن أسرد مئات من الحالات التي تتصرف فيها الإدارة بطرق غير قانونية، وكيف أنها تلعب دور الحكومة والمعارضة في الوقت نفسه… غدا نشرح لماذا تتصرف الإدارة على هذا النحو، وما أهمية ورش الإصلاح العميق للإدارة وللدولة. طبعا لا أتحدث عن الأسلوب الفلكلوري الذي يتصرف به وزراء تحديث الإدارة، وآخرهم الرفيق مبدع الذي أبدع في هذا المنصب طرائف وحكايات تستحق أن تروى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حزب يسود ويحكم حزب يسود ويحكم



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib