توفيق بوعشرين
وضع العربي المحرشي، عضو المكتب السياسي للأصالة والمعاصرة والبرلماني في الغرفة الثانية، نفسه وحزبه في موقف لا يحسدان عليه، ففي حفل انتخابي في وزان يوم 16 ماي الماضي، أطلق النار في كل اتجاه، حتى إن نيران مدفعيته الصوتية وصلت إلى أماكن حساسة في الدولة، وأول أمس نشرت جريدة «الصباح» عنوانا في صفحتها الأولى يقول: «غضبة ملكية بسبب التشكيك في الدرك والداخلية واتهامهما بالاستفادة من تجارة المخدرات».
عِوَض أن يسارع الأمين العام للحزب، مصطفى الباكوري، إلى إصدار بيان يتبرأ فيه مما قاله العربي المحرشي في وزان، محرضا السكان ضد الدرك الملكي والإدارة الترابية ومشجعا إياهم على التمادي في زراعة الكيف، اختار الباكوري سياسة الصمت على أساس طَي الملف مع الوقت، لكن غريمه لم يترك هذه الكرة تمر من أمامه دون أن يرميها في شباك الجرار. حزب العدالة والتنمية أصدر بيانا ناريا قال فيه: «لا يجوز تسويغ زراعة المخدرات تحت أي مبرر، ويجب الحذر من تسرب أموال المخدرات إلى السياسة».
ماذا قال المحرشي حتى أثار كل هذه الضجة السياسية والإعلامية؟ قال، نقلا عن فيديو من 30 دقيقة منشور في قناة حزب الأصالة والمعاصرة على اليوتوب، ما يلي: «لقد وصلتني أخبار مؤكدة وتيقنت منها.. الدرك الملكي والسلطة المحلية يظلمان الناس في هذه المنطقة، مابغيناش الدرك يقتحم البيوت، مابغيناش رجل السلطة يقبض من هنا ويلعن من هناك، لدي فيديوهات لتدخلات الدرك في المنطقة وهم لم يأتوا لمحاربة الكيف. الدولة كلها تعرف أن الكيف موجود في المنطقة. الدرك جاو باش يخدو الفلوس، واش ألجادرمية حلال عليكم تقبضوا الفلوس وحرام على الناس يزرعوا الكيف ويصبحوا كلهم مبحوث عليهم؟ لدي معطيات وتسجيلات عن كيف أخذ رجال السلطة الرشوة، وكيف أخذ الدرك الرشوة، وكيف أخذ المقدمون والشيوخ الرشوة». ثم تساءل المحرشي مع الناس: «ماذا عندكم من طرق ومستشفيات وماء صالح للشرب وأسواق وحركة اقتصادية لكي لا تزرعوا الكيف؟ لم أكن أريد أن أتسبب في مشكل وطني هنا، لكن الآن أنا مستعد لذلك من أجلكم. الجميع مشاركون في تجارة الكيف، بما في ذلك الجادرمية، لأنهم عندما يتقاضون منكم المال، فهذا يعني أنهم شركاء». المحرشي لم يقف هنا، بل وعد السكان الفقراء بأنه سيتوجه إلى الرباط للجلوس مع المسؤولين الكبار، وذكر الجنرال (في إشارة إلى الجنرال حسني بسليمان المسؤول الأول عن الدرك الملكي)، و«سيطلب منهم أن يرفعوا أيدي الدرك عن المواطنين، وأن يرجعوا إليهم حقوقهم لأنهم أخذوا منهم الكثير». ولكي لا يبقى في إطار الاحتجاج، اقترح القيادي في «البام» على الحكومة إصدار قرار بالعفو العام عن الآلاف من مزارعي الكيف الفارين إلى الجبال، وإصدار قانون لتقنين العشبة الخضراء.
عضو المكتب السياسي للأصالة والمعاصرة ارتكب خطأين في هذه الخرجة الإعلامية غير المحسوبة؛ أولا، لقد وضع رجله في حقل ألغام حساس جدا، وهو المجال الأمني الخاص بالدرك الملكي والإدارة الترابية، فكلامه عن تجاوزات الدرك ورشوتهم أمام الناس دعوة ضمنية إلى التمرد على السلطة، فهو لم يقل لهم، مثلا، «لا تزرعوا الكيف حتى لا تدخلوا في مشاكل مع السلطة»، بل انتقد فقط ردود فعل الدولة، سواء كانت ردود الفعل هذه مشروعة أو غير مشروعة، بهذه اللغة المستفزة وفي تجمع جماهيري أمام سكان البوادي، وهذا معناه أنه يحرض السكان على سياسة أخذ الحق باليد، أو كما يقول الإنجليز self-redress. إذا أصبحت أجهزة الأمن جزءا من الحملات الانتخابية للمرشحين، وموضوعا للمزايدات الانتخابية، فهذا منزلق سيؤدي إلى تجاوزات لا تحمد عقباها. في الدول الديمقراطية العريقة، تناقش السياسة الأمنية في اللجان البرلمانية المتخصصة خلف أبواب مغلقة، وبلغة رصينة، وفهم عميق للتحديات المطروحة على أمن البلاد… لماذا لم يطرق السيد المحرشي باب القضاء لوضع شكاية ضد رجال السلطة الذين يدعي أنه يتوفر على دليل إدانتهم؟ لماذا اختار التشهير بهم أمام الناس في مناطق حساسة، وهو ما قد يفهم منه أن السيد البرلماني سيوفر الحماية لكل خارج عن القانون؟
الخطأ الثاني الذي وقع فيه السيد المحرشي، البرلماني في الغرفة الثانية، هو أن تحريضه للمزارعين على الاستمرار في زراعة الكيف، لأن الدولة المركزية في الرباط لم تتحمل مسؤولية تنمية المنطقة ومدها بالتجهيزات الأساسية، يبعث رسالة خاطئة إلى أوروبا، التي تنظر إلى العلاقات مع المغرب من زاوية ثلاثة ملفات أساسية، وهي: محاربة الإرهاب، ومحاربة تجارة المخدرات، ومحاربة الهجرة السرية. عندما يسمع سفراء الاتحاد الأوروبي أن برلمانيا وقياديا في «البام» يحرض على زراعة الكيف، فهذا معناه أن رقم معاملات تجارة المخدرات سيتضاعف مرات عدة، وأن في المغرب أكثر من سياسة وأكثر من مصدر قرار في هذا الموضوع، هذا في الوقت الذي يبذل المغرب جهودا كبيرة لإقناع العالم بأن المساحات المزروعة بالكيف تتقلص سنة بعد أخرى.
الناس لا ينظرون إلى «البام» كحزب كباقي الأحزاب، بل يتوهمون، نظرا إلى نشأته الملتبسة، أنه يعبر عن مواقف شبه رسمية، ولهذا السبب الحزب كان عليه أن يوضح موقفه ويزيل هذا الالتباس.