الإجهاض والعقل الأصولي للدولة

الإجهاض والعقل الأصولي للدولة

المغرب اليوم -

الإجهاض والعقل الأصولي للدولة

توفيق بوعشرين

دعا الدكتور سعد الدين العثماني، في مقال رأي صدر في جريدة «المساء» أمس، إلى ضرورة تعديل فصول القانون الجنائي المتعلقة بالإجهاض، بمناسبة النقاش العمومي حول مراجعة القانون الجنائي الحالي. ودعا وزير الخارجية السابق إلى توسيع مساحات إباحة الإجهاض في القانون المغربي لتشمل حق المغتصَبة في الإجهاض، وحق الأبوين اللذين اكتشفا أن جنينهما يعاني تشوهات أو أمراضا مستعصية في اللجوء إلى الإجهاض. واستعرض العثماني جملة من المبررات القانونية والفقهية والواقعية…

هذه الدعوة إلى توسيع مجال اللجوء إلى الإجهاض ليست جديدة، فقد سبق أن دعا إلى ذلك يساريون وليبراليون ومتدينون وعلمانيون وجمعيات نسائية وأخرى حقوقية انطلاقا من أن المتن القانوني المغربي كان ومازال متنا متزمتا اجتماعيا وحقوقيا، وضع في الخمسينات والستينات، وظل على حاله إلى اليوم، ورغم مرور وزراء عدل في حكومات كثيرة فإنهم لم يتجرؤوا على الاقتراب من «الطابع الأصولي» للقانون الجنائى ولعقل الدولة الفقهي عموما مخافة ردود فعل الفئات المحافظة، ومخافة استغلال الإسلاميين لهذه الورقة في صراعهم مع الدولة التي بنت شرعيتها دائماً وأبدا على الدين الإسلامي باعتبار الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين…

الآن عبد الإله بنكيران، مصطفى الرميد وسعد الدين العثماني… أمام مهمة صعبة ومزدوجة، إنها عملية مراجعة بقايا «الفقه الأصولي» المتشدد في المدونة القانونية المغربية، وفي مقدمتها القانون الجنائي الذي وضع بعقلية قانونية وفقهية متخلفة جدا عن الاجتهاد والانفتاح والتجديد في الدين والقانون والحياة والواقع… المهمة الثانية ذاتية، أي أن الإسلاميين مطالبون هم أنفسهم بالقيام بمراجعات فقهية وفكرية جريئة واجتثاث ما تبقى داخلهم من رواسب سلفية ومن فقه بدوي قادم من صحراء الجزيرة العربية تسرب عبر كتب الإخوان المسلمين وفتاوى أئمة الفضائيات ومواقع الإنترنيت.

كيف يعقل أن يمنع القانون امرأة تعرضت للاغتصاب، وحملت من هذا الفعل الشنيع، من الإجهاض، وعوض أن تتخلص من آثار العدوان على كرامتها وجسمها وحياتها يتدخل المشرع فيمنعها من ذلك بسبب تأويل ضيق لنصوص الشرع حول الحياة وقدسيتها. أية حياة ستعيشها الأم وهي ترى ثمرة الاغتصاب تكبر أمام عينيها، وفوق هذا ترعاها وتصرف عليها وتكد من أجلها؟

كيف يعقل أن تمنع امرأة من الإجهاض وهي ترى أن جنينها في بطنها مشوه أو مصاب بعاهة لا شفاء منها، وأن الحياة أمامه وأمام أسرته سوداء لا طعم لها؟ أين المشرع الجنائي من القاعدة الأصولية التي تقول: «أينما كانت المصلحة فتم شرع الله»؟

كيف يعقل أن يمنع القانون الجنائي أسرة مراهقة لم تبلغ سن الرشد القانوني بعد من اللجوء إلى الإجهاض إن هي وقعت في الخطأ، برضاها أو بغير رضاها، حفاظا على مستقبل الفتاة، وحفاظا على مستقبل الطفل، ومراعاة لحرمة العائلة، فالفتاة التي تحمل ولا تلجأ إلى الإجهاض يكون مصيرها هو الخروج من البيت ومن المدرسة، والدخول من الباب الرئيس لعالم الدعارة، فنكون باسم الحق في حياة جنين قد دمرنا حياة امرأة وأسرة وطفل ومجتمع…

منذ أكثر من 20 سنة والصحافة والإعلام يتحدثان عن ظاهرة الإجهاض السري ومخاطره وضحاياه، وأن هناك علاقات جنسية تقام خارج إطار الزواج حتى وإن كانت الأخلاق تمنع ذلك والدين يحرم ذلك، لكن الواقع لا يرتفع، ويجب التعامل معه تربويا وثقافيا وأخلاقيا وقانونيا.

هناك طرفة يحكيها الفقهاء عن شخص جاء إلى إمام يسأل عن حكم الزاني، فسأله الفقيه: «ماذا جرى؟»، قال: «زنيت مع امرأة». فسأله: «وماذا بعد؟»، قال: «المصيبة أن المرأة الآن حامل». فسأله الفقيه مستنكرا: «ولماذا لم تعزل عندما ابتليت بالزنا (العزل هو القذف خارج الرحم)؟». فرد السائل: «سمعت بعض الفقهاء يقولون إن العزل مكروه»، فرد عليه الفقيه: «سمعت أن العزل مكروه ولم تسمع أن الزنا حرام؟»…

هذه القصة تعكس التناقض الحاصل في بلادنا، دولة ومجتمعا، ذلك أن عوامل كثيرة تشجع على إقامة علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج، لكن أحدا لا يريد أن يتعامل مع نتائجها خوفا من شرعنتها، مثل ذلك الذي يدخل السجن ويرفض أن يأكل ويشرب حتى لا يعترف بشرعية حبسه. توسيع مجال الإجهاض ليس إقرارا بالزنا، بل هو حل لتخفيف الأضرار، والضرر يزول كما يقول الفقهاء، وفي النهاية حساب الجميع عند الله (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإجهاض والعقل الأصولي للدولة الإجهاض والعقل الأصولي للدولة



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib